التوجه الستراتيجي يهدف الى بناء محطات كهرومائيَّة وحراريَّة

اقتصادية 2021/01/11
...


 بغداد: الصباح 

 
أوصت ندوة اقتصاديَّة متخصصة بقطاع الكهرباء بأهمية الربط الكهربائي في تقوية منظومة الطاقة الكهربائية الوطنية، فالتوجه الستراتيجي ينبغي أنْ يهدف الى توسيع الإنتاج بما يحقق الاكتفاء الذاتي عبر بناء محطات توليد كهرومائيَّة وحراريَّة لقلة تكاليفها وطول عمرها الإنتاجي وتوافر الوقود الضروري لتشغيلها.الندوة التي نظمها مركز بغداد للتنمية القانونية والاقتصادية وحملت اسم «الربط الكهربائي مع دول الجوار ودوره في حل مشكلة الكهرباء في العراق» وأدارها الخبير في الشؤون الاقتصادية إبراهيم المشهداني وبحضور نخبة اقتصادية متميزة عبر الدائرة الاكترونية، ركزت على أهمية مراجعة العقود المبرمة مع الشركات الاستثمارية باتجاه تقليل تكاليف الشراء من الوحدات الكهربائيَّة المستلمة بالفعل والتخفيف من الأعباء التي تتحملها وزارة الكهرباء. 


كما طالبت بالتعجيل في إبرام العقود مع الشركات الاستثمارية لإنتاج الطاقة المتجددة، لا سيما أنَّ العراق تتوافر فيه الرياح والطاقة الشمسية على مدار السنة، والسعي لتفعيل العمل بمنظومات الطاقة المتجددة في المساكن والتساهل في شروط استخداماتها المنزليَّة للتخفيف من عبء وزارة الكهرباء والتخلص من المولدات الأهلية وآثارها في تلويث البيئة.
 
أهمية الطاقة
الخبير في الشؤون الاقتصادية ابراهيم المشهداني استهل الندوة بمقدمة عن أهمية الطاقة الكهربائية في تنمية القطاعات الاقتصادية والاجتماعية ونبذة مختصرة عن بدايات دخول الكهرباء الى العراق وتحولها من ملكية خاصة الى ملكية عامة.
وقال: إن «الكهرباء تعدُّ الخدمة الأكثر احتياجاً بين البرامج الحكوميَّة بعد دحر الإرهاب الداعشي، لارتباط هذه الخدمة بحياة الناس اليوميَّة، وعلاقتها بالنمو الاقتصادي، فكل مفصل في العملية التنموية كبر أو صغر لا يمكن أنْ تدور عجلته من دون الطاقة الكهربائية سواء في الصناعة او الزراعة وانتاج النفط وجميع الورش الصناعية الصغيرة منها أو المتوسطة او المشاريع الكبرى في القطاع الحكومي والاستخدامات الاخرى على تنوعها». وأضاف «لهذا فإنَّ الدولة مطالبة الآن أكثر من أي وقت مضى بتحشيد الجهد الوطني من أجل الوصول الى الاكتفاء الذاتي ومن مختلف المصادر المتاحة».    
 
ماكنة كهربائيَّة
يذكر أنَّ الكهرباء دخلت في العراق عام 1917 ونصبت اول ماكنة كهربائية في بناية (خان دلة) واقتصر توليدها على محركات ديزل قدرة واطئة بتوتر 300 فولت تيار مستمر (DC) ، وفي العام 1918 كانت الاسلاك تمد تحت الارض وتم امرار الاسلاك الى الجانب الغربي من الكرخ بواسطة قابلوات تحت الماء بالقرب من جسر الشهداء، فتصوروا يا اخوان مستوى العمل في ذلك التاريخ، بعدها جرى تدريجياً نصب محركات في مناطق مختلفة في مدينة بغداد منها منطقة السراي والقشلة والمجيدية لإنارة الدوائر الحكومية والمستشفيات الموجودة في باب المعظم وكرادة مريم لإنارة معسكر الرشيد.
 
السعة التصميميَّة
بدوره معاون مدير عام دائرة التخطيط والمتابعة في وزارة الكهرباء د.قاسم كاظم حنيحن قال: «لا بدَّ من التمييز بين السعة التصميمية للمحطات الكهربائية والسعة التوليدية، فهناك محطات تولد أقل من الطاقة التصميمية لأسباب عديدة ومن بينها مدى توافر الوقود أو مستوى تهالك المحطات، لا سيما أنَّ العديد منها قديمة ترجع الى ثمانينيات القرن العشرين وما قبلها، فالطاقة الكهربائية تختلف عن الأنواع الأخرى من الطاقة كالنفط مثلاً، فالطاقة الكهربائية غير قابلة للخزن رغم وجود حالات محدودة في بعض الدول الأوروبية، وهناك أشكال من الإنتاج في الطاقة الكهربائية كالطاقة المتجددة التي أسهمت في تحقيق فائض، ومن هنا نهضت الحاجة الى الربط الكهربائي بين الدول المتجاورة، وهذا ما يحقق الاستقرار في وفرة الطاقة ويضمن استمرارية الإنتاج».
 
محطات عملاقة
وأضاف أن الربط يتم بين دولتين أو أكثر، فعلى سبيل المثال فإنَّ لدى الصين مشروعاً عملاقاً يستهدف الربط الكهربائي على النطاق العالمي كله، وقد تم طرح هذا المشروع في مؤتمر دولي حضرته الجامعة العربية عبر إنشاء محطات عملاقة ذات سعات توليديَّة عالية، ونحن في العراق نستطيع نصب محطات تغذى بالنفط الأحفوري مع وجوب توفير الوقود وهو عامل مهم في توفير الطاقة، ولكن مع وجود الربط الكهربائي تتحقق ليست الوفرة ولكن أيضاً الجدوى الاقتصاديَّة، ومن الناحية الفنية فإنَّ الربط الكهربائي لكي يعطي ثماره الايجابية يستلزم وجود شبكة موحدة بهدف استمراريَّة نقل الطاقة ويعوض عن توقف الانتاج في المحطات الوطنية.
 
تحقيق فائض
وأشار الى أنَّ «الربط الكهربائي يحقق جملة من المنافع أهمها أنَّ الربط يفيد استمرار التيار في حالة ارتفاع أحمال الذروة، وإمكانية تصدير الفائض من الطاقة في حال تحقق فائض في الإنتاج، وفي الدول العربية يكاد يكون الربط محدوداً بالربط الثماني، وهناك الربط المغاربي والربط الخليجي، والشبكة الكهربائية في العراق تسمح بالربط العربي والأوروبي، كما أن الربط الكهربائي يقوي العلاقات الاقتصادية والسياسيَّة مع الدول الأخرى». 
 
فوائد اقتصاديَّة
واوضح المشهداني أنَّ «العراق حالياً يستورد الطاقة من إيران بالكميات الأكبر لأسباب سياسية، فضلاً عن طول الحدود مع الجارة إيران، ولكن هذا الربط يكلف كثيراً بسبب عدم وجود منافس؛ لهذا يتوجب تنويع الربط من أجل تقليل الكلف مع ما فيه من فوائد اقتصادية وفنية، فضلاً عن توفير الطاقة». مبيناً أنَّ تايلاند لديها إمكانية إنتاج 28 الف ميكا واط ولكنها تحقق اكتفاء ذاتياً بمقدار 21 الف ميكا واط، وبهذا يكون لديها فائض 7 آلاف ميكا واط عبر وجود محطات توليديَّة جاهزة للعمل عند الاحتياج.
 
وضع المنظومة
معاون مدير عام توزيع الصدر المتقاعدة انتصار كريم عباس قالت: «إنه بالعودة الى وضع المنظومة الكهربائية في العراق قبل 2003، إذ إنَّ السعة التصميمية والانتاج كان بحدود (9) آلاف ميكاواط قبل حرب الخليج الاولى في 1991، ولكن بسبب ما تعرضت له المنظومة الكهربائية من تدمير وأضرار أثناء الحرب أفقدها بحدود 60 بالمئة من سعتها ورغم أعمال التأهيل في حينها لم يتجاوز الإنتاج (3500) ميكا واط في أحسن الأحوال ولغاية 2003، ولم يكن الانتاج في حينها يلبي الطلب والقطع المبرمج مطبق منذ ذلك الحين».
 
الاستهلاك العالي
تابعت: «بعد 2003 حصل تسارع في نمو الطلب وخصوصاً للصنف السكني بسبب تحسن القدرة الشرائية ودخول اجهزة كهربائية ذات الاستهلاك العالي، وعليه فإن الحكومات في حينها كانت امام تحدٍّ كبيرٍ لاسيما ان الوقود المناسب لم يتوفر بالنوعية والكمية التي تحتاجها محطات الانتاج الغازية التي تمت اضافتها لغرض مواكبة الطلب، فضلا عن تحديات الوضع الامني، وعليه وبعد 17 عاماً وفي احسن الظروف لم يتجاوز معدل الانتاج (18) الف ميكا واط، ولم يلبِ سوى 50 بالمئة او ادنى من الطلب، والاستهلاك غير مسيطر عليه لعدم وجود ضوابط قانونية صارمة تحد من التجاوزات الكثيرة على الشبكة الكهربائية والربط المباشر او عدم تسديد فواتير الكهرباء وعدم استجابة المواطن لمبدأ الترشيد، كل ذلك وغيره كان سبباً في الاستهلاك العالي ولم تصل الى حالة التوافق بين الانتاج والطلب».
  
ثلاثة مستويات
ونبهت الى أنَّ «الدول تبني خططها على ثلاثة مستويات (القصيرة، والمتوسطة، والطويلة) وكان المفترض أن تبدأ خطط الدولة بعد 2003 تسير باتجاه جميع السبل لسد الحاجة المحلية من الاكتفاء، لاسيما أن الموازنات مع ارتفاع اسعار النفط الخام كانت تمثل احدى نقاط القوة لغاية 2015، واصبح لزاماً ان نتجه الى الربط الكهربائي الشامل والغاز الطبيعي والذي تبنته الجامعة العربية منذ 2012، وان تعد دراسة الجدوى الفنية والاقتصادية لتتم المباشرة بذلك، وان لايكون ذلك بديلاً عن بناء محطات توليد ستراتيجية وتوفير الوقود المحلي الملائم لتشغيلها».  
 
الطاقة المستوردة
رئيس الدائرة البرلمانية في مجلس النواب عضو المركز حيدر مثنى تحدث عن التقرير الذي قدمته اللجنة البرلمانية التي شكلت لدراسة عقود وزارة الكهرباء، مشيرا الى ان التقرير قد سجل 22 نقطة تتعلق بطبيعة عقود الكهرباء وشراء الطاقة، مبينا ان «العراق اتفق مع مجموعة من الشركات الاستثمارية على استيراد الطاقة، وقد بلغت تكاليف الشركات مع الطاقة المستوردة من ايران وتركيا ( 5،641،484 ) مليار دولار، واضاف: ان هناك 3 ملاحظات سجلها التقرير النيابي، أهمها إشكالية الشركات الاستثمارية كل من بسماية وشمارا القابضة وقيوان وكلوب باور الاميركية وكار والانماء، وهي تعتمد على دعم الدولة إذ تتحمل الوزارة قسما من التكاليف حتى في حال توقف انتاج المحطات الاستثمارية وعدم تسلم الوحدات المنتجة لغرض التوزيع، كما ان الوزارة لم تحدد تكاليف انتاج الميكا واط  وحاجته من الوقود».
 
محطات التوليد
د.محسن القزويني  قال: «من الواضح حسب حديث الزملاء المحاضرين أن استيراد الطاقة الكهربائية يمثل عبئا ماليا كبيرا على خزينة الدولة وبالوقت نفسه لا تسد حاجة العراق، السؤال: أليس من المهم الاستعانة بدول الجوار لإصلاح الاعطال في محطات التوليد خاصة وان اميركا تحث على الربط مع دول الجوار، هل ان العوامل المؤثرة سياسية او اقتصادية ام كلاهما، والسؤال الآخر: بعد تخفيض قيمة الدينار تصرح الحكومة أن ذلك سيسهم في إحداث انتعاش في القاعدة التحتية الاقتصادية وان الكهرباء جزء من هذه القاعدة، مع العلم أنَّ الاقتصاديين يشيرون الى أنَّ مرونة القاعدة الاقتصادية لا تستجيب لأي تغيرات في عوامل الانتاج بالسرعة المطلوبة».
 
الربط الثماني
نائب رئيس المركز د.علي مهدي بين: «يبدو لي أنَّ هناك شبه اتفاق مع المتحدثين بشأن الربط الكهربائي وهو يرى أهمية تفعيل الربط الثماني والسباعي وكان العراق ضمن الربط الثماني، ويرى أنَّ الربط مع دولة واحدة في استيراد الطاقة سيتحول الى احتكار تلك الدولة ومن ثم فهي من يحدد السعر؛ لهذا فإنَّ قيمة الميكا واط الواحد يكلف 82 ألف دولار، وقد لاحظنا من التجربة المصرية والسعودية أنَّ الذروة تبدأ من الساعة الثامنة حتى الساعة التاسعة، وفي هذه الحالة فإننا بالإمكان الاستفادة من الربط من شمال إيران وتركيا وسوريا، فضلا عن أنَّ الربط الكهربائي يقوي العلاقة مع الدول الأخرى».
ـ