قرار خفض قيمة العملة على طاولة الخبراء

اقتصادية 2021/01/18
...

 بغداد: حسين ثغب 
 
تناولت ندوة اقتصادية متخصصة أثر خفض قيمة العملة على واقع الاقتصاد العراقي، حيث رافق قرار خفض قيمة العملة تداعيات منها التوقف الجزئي وارباك للتعاملات الاقتصادية والتجارية، وهل يعد إصلاحا اقتصاديا، كما اكدته الجهات المختصة ام يعد وسيلة او اداة لانقاذ الوضع المالي من حالة الارباك التي يعيشها. الخبير الاقتصادي د. شعبان صدام الامارة قال خلال الندوة التي نظمتها منصة تنمية الاقتصاد والمال وتابعتها “الصباح”: “ ابتداء هناك فرق بين تغيير سعر الصرف وتغيير قيمة العملة، فالأول يتغير جراء تفاعل العرض والطلب في سوق الصرف الاجنبي، اما الثاني فيحصل بقرار حكومي رسمي من الجهة ذات الصلاحية، وما حدث في العراق هو تخفيض لقيمة العملة، وانه لا يمت للاصلاح الاقتصادي بشيء في حالة الاقتصاد العراقي، وان هدف القرار هو الاستفادة من ايرادات النفط المقبوضة بالعملة الاجنبية، وجعلها تعادل مبالغ اكبر بالعملة العراقية لمعالجة جانب من العجز في الموازنة، تلافيا للتخفيض المباشر لرواتب الموظفين، ومن ثمّ فإن هذا الاجراء يعد تلاعبا بالأرقام له آثار اقتصادية عديدة”.

وأشار الى ان “ تخفيض قيمة العملة احدى السياسات الاقتصادية المدروسة وهي واحدة من سياسات تحويل الانفاق التي تلجأ اليها الدول عادة، عندما تعاني من عجز مستمر او دائم في ميزان مدفوعاتها والغرض هو تخفيص اسعار السلع المحلية من اجل زيادة صادراتها( زيادة قدرتها على المنافسة في السوق الدولية)، وبالمقابل  تصبح السلع المستوردة مرتفعة السعر وبذلك تتقلص الاستيرادات والمحصلة معالجة العجز في ميزان 
المدفوعات”.
 
السوق العالميّة
وقال» انه في «العراق ليس لديه عجز مزمن او دائم في ميزان مدفوعاته، بل هو عجز مؤقت حصل بسسب الجائحة والآثار المرتبطة بها، وايضا العراق ليست لديه سلع مهمة يصدرها باستثناء النفط، وهذه السلعة يحدد سعرها في السوق العالمية، ولا علاقة لتخفيض قيمة العملة بالطلب عليها وبأسعارها، وبالمقابل فإن العراق يستورد اغلب احتياجاته من العالم الخارجي، وهنا يجب أن نلاحظ مقدار الضرر الذي يلحق بالمواطن العراقي جراء هذه السياسة، اي ان العراقيين سيدفعون مبالغ اعلى بنسبة 22 بالمئة عن الاسعار السابقة لمشترياتهم، وهذا يشكل انخفاضا كبيرا لدخولهم الحقيقية».  وتساءل هل الاصلاح الاقتصادي يهدف الى تخفيض الدخول الحقيقية؟  وان انخفاض الدخول الحقيقية يعني ايضا تدهور الرفاهية الاقتصادية لافراد المجتمع.
 
عرض العملة
تابع  من جهة اخرى «يرى البعض أن هذه السياسة جاءت للمواءمة بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف الموازي او السوقي، ولكن هذا الرأي بعيد كل البعد عن الحقيقة، وذلك لأن سعر الصرف بالرغم من تغيير قيمة العملة وانخفاضه مقابل الدولار سيبقى مستمرا بالانخفاض، ما لم تتدخل الدولة في استقراره، لان عرض العملة الأجنبية في العراق مرتبط بالصادرت النفطية، التي تعود مواردها الى الدولة، ومن ثمّ فإن الطلب من قبل المستوردين لايمكن تغطيته، الا بتدخل الدولة من خلال البنك المركزي، لأن سعر الصرف في العراق سيبقى سعر صرف مدار، ما دام الاقتصاد العراقي يعتمد في صادراته على النفط كسلعة وحيدة».
 
السعر الرسمي
مؤكدا على أن « لا صحة للراي القائل بأن التخفيض جاء للمواءمة بين السعر الرسمي والموازي، وأدى هذا الاجراء، ولا أقول السياسة الى زيادة إرباك الوضع الاقتصادي وتحملت شريحة الفقراء وذوو الدخل المحدود الآثار السلبية لهذا الاجراء بارتفاع شريحة الأفراد، الذين يقعون تحت خط الفقر في حين إزداد المضاربون بفائدتهم منها». 
 
قيمة العملة
رئيس الدراسات الاقتصادية د. فلاح ثويني يرى أن «مهمة الإصدار النقدي منذ زمن ريكاردو الذي طالب بأن يكون غطاء العملة المصدرة بنسبة 100 بالمئة من الذهب في وقتها، كان تبريره ذلك الأمر بالمحافظة على المستوى العام للأسعار وعلى قيمة العملة وقوتها الشرائية».
وبين أن «قيمة العملة مرتبطة بقدرة الجهاز الإنتاجي ومرونته وحتى عندما تواجه البلدان ضغوطا خارجية بانخفاض، وليس تخفيض سعر صرف عملتها فإنها ستتأثر مؤقتا وسرعان ما تعود إلى الوضع الطبيعي أو قريبا منه كما هو الحال مع تركيا، أما البلدان التي تقوم بتخفيض سعر صرف عملتها كما هو الحال مع مصر والعراق، فإن مصر نجحت إلى حد ما، والعراق لن ينجح اذا ظل وضع اقتصاده قائما على الريع النفطي وتاركا الصناعات التحويلية الأساسية فريسة للاغراق المنظم داخليا وخارجيا».
 
مشاريع انتاجية
الخبير الاقتصادي د. خالد الشمري أكد أن «المشكلة الآن في ضخامة الموازنة وانفاقها الجاري، وهو يشكل العبء الأكبر على النمو والتنمية، واذا لم تأخذ الحكومة بنظر الاعتبار تخفيض العملة ويمكن اللجوء للاصدار النقدي بنسبة التخفيض وهو 21.8 بالمئة من الاصدار النقدي الحالي وهو بحدود خمسة وستين ترليون دينار، اي بحدود خمسة عشر ترليون دينار، جميعها تستثمر في مشاريع انتاجية ليست للشركات والمؤسسات المستقلة، التي شكلت عبئا على الموازنة وليس رفدا للدخل وبمشاركة القطاع الخاص المنتج المحلي والاجنبي وانشاء شركات مساهمة الخريجين وباختصاصاتهم والاهتمام بالتنمية البشرية جميعها ستسهم برفع(الناتج المحلي الاجمالي)  GDPبنسبة لاتقل عن نسبة تخفيض العملة خلال عام واحد، لأن هناك طاقات انتاجية معطلة وطلب استهلاكي محلي جيد وسيكون ايضا تشغيل عمالة وتقليل البطالة، من دون تراكم نسب زيادتها وتقلل الضغط على الحكومة للتعيين لزيادة البطالة
 المقنعة”. 
 
خصوصية الاقتصاد
عميد كلية الادارة والاقتصاد سمير فخري قال في «تقديري المتواضع لا يوجد فرق بين التمويل النقدي والتمويل غير النقدي للعجز وذلك لخصوصية الاقتصاد العراقي الريعي، حيث الأول التمويل بالاصدار النقدي، وهذا لا يسمح به قانون البنك المركزي، والثاني التمويل بإصدار أوراق الدين والتي من المفترض أن يقوم بشرائها القطاع الخاص ان وجد، ولكن من يقوم بعملية شرائها البنك المركزي، هنا حصلت عملية تنقيد ولا يختلف، الامر في المحصلة عن حالة الاصدار النقدي المباشر وبمعزل عن نمو الناتج المحلي الاجمالي. 
 
تغطية العجز
تسأل كيف يمكن تفسير تغطية العجز في الموازنة العامة للعام الماضي؟ وبترليونات الاصدار النقدي وبمعزل عن نمو الناتج المحلي الاجمالي، كيف يمكن تفسير ذلك، أليس بالاصدار من خلال التمويل النقدي وغير النقدي من خلال التمويل بإصدار الاوراق المالية للدين، والتي عاد المركزي ليخصمها من خلال شراء الدين، هنا حصلت عملية تنفيد من خلال الاصدار النقدي. الاكاديمي د. يوسف الاسدي قال: ان “الاقتصاد العراقي لا يخضع لمنطق النظرية الاقتصادية، لاسيما أفكار المدرسة النقودية، التي أكدت نمو الناتج المحلي الإجمالي، بفعل زيادة عرض النقود، وعلى المدى البعيد إلى ارتفاع المستوى العام للاسعار، بل سيرتفع معدل الاسعار، لأن أكثر السلع الغذائية والحاجات الأساسية للمواطن 
مستوردة”.
 
الدخول الحقيقية
عاد د. شعبان الامارة وقال: «اما بخصوص اجراءات الحكومة، فجميعها تؤدي الى الانكماش والركود في تخفيض قيمة العملة أوضحت كيف يؤدي الى انخفاض الدخول الحقيقية، ومن ثمّ انخفاض في الطلب الكلي اي سياسة انكماشية، واذا أضفنا الضرائب التي ستفرض على الرواتب هي الاخرى سياسة انكماشية، وان الدولة في كل توجهات سياستها انكماشية، وبالتالي فعلى الدولة من خلال موازنتها أن تخصص المواد المتاحة باتجاه الموازنة الاستثمارية ولمشاريع انتاجية حقيقية».
 
الهيمنة الماليّة
الاكاديمي د. جعفر باقر علوش بين ان «القرارات المالية الأخيرة، حملت تاثيرات سلبية في الاقتصاد العراقي، حيث ستؤثر في الجانب النقدي وتحمله أعباء، قد تعجز أدواته عن  معالجتها، كما في السابق كانت السياسة النقدية تلهث خلف الهيمنة المالية، وكانت لديها أدوات التحكم وللأمانة العلمية، أنا أشدُّ على أيدي البنك المركزي العراقي في سياساته السابقة ماعدا بعض التحفظ على نافذة العملة، ومنذ عشرة أعوام ذكرتُ في ندوة حول السياسة النقدية أنه سنشهد في يوم ما عاصفة يكون أول المتأثرين بها البنك المركزي والسياسة النقدية».
 
تحصيل العملة
تابع «هنا أود مناقشة وقائع مقابل مقترح ...مع الجميع، الواقع هو مع انخفاض مبيعات البنك المركزي وانخفاض عملية التعقيم للتجارة الخارجية، يفقد البنك المركزي أيضا القدرة على تحصيل العملة المحلية، وستكون العملة لدى الجمهور هي الفاعلة في توجيه الاستهلاك والتبادل التجاري، وهذا يولد ضغطا على المالية العامة من خلال ضعف قدرة البنك المركزي العراقي لمبادلة الدينار العراقي بالدولار لوزارة المالية».
 
تمويل استيرادات
اشار الى أنّ «الكتلة النقدية لدى الجمهور مهمة ولا يستهان بها بخصوص خلق توازنات غير مألوفة لدى صاحب القرار المالي، وبالتالي سيضطر البنك المركزي لعمليات الاصدار النقدي هذه المرة لتعقيم متطلبات الإنفاق العام وهو متوسع بامتياز، وهنا سنكون أمام منزلق خطير، إذ تفقد كل من المالية العامة وكذلك النقدية ممثلة بالبنك المركزي القدرة على ضبط الأوضاع او السيطرة على اتجاهات التبادلات، وهنا اقترح أن يقوم البنك المركزي بالتعقيم بنمط مختلف، أن يدخل شريكا للقطاعات الإنتاجية، من خلال محفظة استثمارية داخلية ويقوم بالمشاركة في تمويل المشاريع الانتاجية بالتنسيق مع وزارتي الصناعة والزراعة والصناعيين لقطاع الإنتاج فقط، على سبيل المثال أن يقوم بتمويل وتغطية استيراداتهم للمواد الأولية ومشاركتهم بقدراته التمويلية، بدلا من تمويل استيرادات سلع رديئة، يعني تحويل التعقيم من التجارة الخارجية إلى قطاعات الإنتاج إن كان عاما او خاصا».
 
نسب البطالة
بدوره د. عباس فاضل التميمي قال: إن «التضخم المخطط وفق خطط تنموية واقتصادية واضحة حالة طبيعية، لكن أن يكون تضخما مصطنعا بقرار أحادي من وزارة المالية، وينفذ من خلال البنك المركزي باستخدام سعر الصرف هذا الأمر، ستكون له تداعيات سلبية كبيرة في ظل نشاط اقتصادي مغيب قسرا منذ عام 2003 وأهون هذه النتائج ارتفاع نسب البطالة والفقر المرتفعة، اصلا وما تنتجه من تداعيات أخرى على جميع
 المستويات».