تجمع العراق ومصر علاقات قديمة قِدم التاريخ.. وارتبطت الحضارات القديمة في البلدين بوشائج عدة من بينها تلك العلاقات التجاريَّة التي ربطت بين أرض بابل وحكامها، وحكام مدينة الطود الأثريَّة جنوبي مصر.
وقد عُثر في معبد المدينة علي رسائل باللغة السومريَّة أرسلها ملك بابل إلى حاكم الطود حينذاك، يتحدث فيها عن استخدام الأواني الفخاريَّة المصنوعة والمنحوتة في مدينة الطود بمعابد بابل.
وتكشف رسالة ملك بابل لحاكم مدينة الطود، وغيرها من المعالم واللقى الأثريَّة عن تلك العلاقة التي ربطت بين مدينة في أقصى جنوب مصر وحكام بابل وحضارتها.
كما تكشف عن تبادل للزيارات والوفود، واتفاقيات التبادل التجاري، الأمر الذي يدل على تعاونٍ وثيقٍ بين الحكام القدامي للعراق ومصر، وتلك العلاقات التي قامت بين حضارات البلدين، والتي يؤكد لنا المؤرخون، وعلماء المصريات، أنها علاقات بنيت على المصلحة المشتركة للشعوب.
كما تدلنا المكتشفات الأثرية في معبد مدينة الطود بجنوب مصر، على تلك العلاقات التي ربطت المدينة وحكام مصر القديمة بوجه عام، وحكام عصر الدولة الوسطى بوجه خاص، مع بلدان غرب وشرق آسيا، والشام ، والبلاد المطلة على البحر الأبيض المتوسط، وجزر بحر إيجه،
وغيرها.
ومن أكثر تلك الدلائل الأثريَّة شهرة على علاقة مدينة الطود الأثرية المصرية، وبلدان غرب وشرق آسيا، محتويات ما يُعرف بـ «كنز الطود» الذي توزعت قطعه ما بين متاحف مصر وفرنسا، وهو واحد من الكنوز المصرية القديمة، ذات الشهرة الكبيرة، بجانب القيمة الفنية العالية التي تميزت به محتوياته، بجانب ما وجد من نقوش دقيقة فوق قطعه الأثرية، حولتها لتحف فنية مبهرة.
فقد عُثِرَ على كنز من الذهب والفضة واللازورد، داخل صناديق معدنيَّة منقوش عليها اسم الملك امنمحات الثاني، وقد عثر بداخل الصناديق على سبائك من الذهب والفضة، وكمية ضخمة من الأواني، وقد عرف ذلك الاكتشاف الأثري بـ»كنز الطود» نظراً للعثور عليه داخل معبد الطود
الأثري.
ومكتشف الكنز هو «بيسون دى لاروك» وهو الفرنسي الذي كان يترأس بعثة بلاده الأثريَّة العاملة في المنطقة، عن اكتشافه المثير لتلك الصناديق المكتظة بالذهب والفضة واللازورد، حيث يقول لاروك، إنه في يوم الثامن من شباط عام 1936، تم العثور على صناديق الكنز أثناء أعمال الحفائر بمعبد الطود، مدفونة في «المدماك الأخير» من أساس المعبد، وإنه من الواضح أنَّ صناديق الكنز خبئت تحت أرضية المعبد.
وكما هو مسجل في سجلات المتاحف التي تضم بين مقتنياتها القطع التي عثر عليها في كنز الطود، فإنَّ بعض محتويات ذلك الكنز الفريد مشغولات من الفضة وأخرى من اللازورد، وصناديق صنعت في بلاد أخرى غير مصر، في دلالة على أنَّ بعض محتويات الكنز جاءت ربما كهدايا من حكام دول أخرى لحاكم الطود، ويشير سجل تلك المقتنيات إلى أنَّ بعضها ربما جاء من بلاد غرب آسيا، وبعضها من بلدان شرق آسيا، وبعضها من جزر بحر إيجه.. وجميعها ترشدنا إلى وجود الكثير من التفاصيل التي لم يكشف عنها بعد في علاقات مصر القديمة ببلدان آسيا وفي مقدمتها العراق وحضاراته القديمة، وبلاد أخرى بعيدة مثل بلاد
القوقاز.
وبقي أنْ أشير إلى أنَّ مدينة الطود التي ارتبطت بعلاقات تجارية وحضارية مع العراق قبيل آلاف السنين، قد تشابهت الكثير من أساطيرها القديمة مع تلك الأساطير التي عرفتها حضارة بابل، وتلك الآلهة التي كانت سائدة في كلا الحضارتين المصريَّة والبابليَّة، مثل آلهة المطر، والعواصف، والحقول، والحب، والموسيقى، وغير ذلك من الآلهة التي عرفتها الحضارتان، والتي ترد في الكثير من النصوص والحكايات الأسطورة المتعلقة بحضارتي بابل ومصر القديمة، بجانب ارتباط الحضارتين بالأنهار، إذ ارتبطت الحضارة المصرية بنهر النيل، بينما ارتبطت الحضارات العراقيَّة بنهري دجلة
والفرات.
تقع ضمن حدود محافظة الأقصر، الغنية بمئات المقابر وعشرات المعابد التي شيدها ملوك وملكات ونبلاء ونبيلات مصر القديمة، في تلك البقعة التاريخيَّة من صعيد مصر، وقد حظيت المدينة منذ اكتشاف معبدها على يد الحملة الفرنسيَّة على مصر، وحتى اليوم محل اهتمام من قبل المستكشفين والمؤرخين وعلماء المصريات العرب والأجانب، وذلك لما لتلك المدينة من مكانة مهمة في تاريخ مصر القديمة، وما ضمته من معالم ومكتشفات أثرية أكدت حجم العلاقات التي ربطت بين مصر القديمة والعراق وبلدان آسيا والعديد من مناطق العالم.