د.مصطفى كامل رشيد
تستمد معظم اقتصادات العالم قوتها من تفاعل المتغيرات الاقتصادية مع بعضها، من اجل دفع عمليات الانتاج وتعزيز قوة الترابط بين الانشطة الاقتصادية المختلفة. ويعد الاستهلاك الحالي من اهم مسببات الدخل في الدورة الانتاجية اللاحقة، وعليه، ينبغي مراجعة هذا المتغير بدقة وحرص شديد، لكونه يحدد مقدار الجزء الاخر من الدخل والذي يعرف بالادخار، فكلما ارتفع مقدار الاستهلاك الحالي في ظل ثبات الدخل انخفض الادخار، تسبب بانخفاض في مدخلات العملية المالية التي تنشأ في المؤسسات المصرفية.كما ان الاستهلاك المؤجل يعد بمثابة الاستثمار المولد للدخل والمعزز للتنمية الاقتصادية، فكلما تهذبت تصرفات الافراد الانفاقية واتصفت بالرشادة تحسنت مدخلات العملية المالية، ومن ثم تزداد الاستثمارات المحلية على نحو يعزز من بنية الناتج وتدعم الاقتصاد المحلي.تتصف الكثير من سلوكيات الافراد في العراق بكونها غير رشيدة، وهي تدفع باتجاه الاستهلاك الترفي او ما يعرف بالاستهلاك غير المبرر اقتصاديا، وهو امر يدعو الى الاستغراب والحيرة في ظل تدني الاجور والرواتب في اغلب المهن المحلية، وتباين ظروف العملية الانتاجية المولدة للدخل، فضلا عن ارتفاع معدلات الفقر والحرمان. فكثير من الاحيان يقرر الافراد اقتناء سلع وخدمات لا يحتاجونها بشدة مقارنة مع انخفاض الاستهلاك المؤجل والعوائد المكتسبة.كما تتصف بعض سلوكيات الافراد بالتبذير في عملية الاستهلاك الحالي، مثل أكل جزء من وجبات الطعام في أغلب المطاعم وترك الباقي ليجد طريقه للنفايات، تغيير الملابس والمقتنيات والاثاث بشكل موسمي من باب الاتكيت وما الى ذلك، وان مجموع هذه التصرفات قتلت الادخار واضعفت الاستثمار الخاص بشكل واضح، في ظل اختناقات اقتصادية متباينة معززة للمشكلات الاجتماعية.الامر الاهم هو عدم الرغبة المجتمعية في تصحيح الاخطاء الحالية لصياغة توقعات صحيحة في المستقبل، ما يعني خسارة الوقت المستغرق لتعديل تلك السلوكيات بما يخدم الاستهلاك المؤجل على الاستهلاك الحالي، فما زالت الحركة التراكمية لهذه الاخطاء تلقى بظلالها على مناخ الاستثمار في مشاريع خاصة، وان كان اغلبها صغيرا او متعثرا، ولكنه خطوة بالاتجاه الصحيح.ان الحراك المجتمعي المنتقد للحقائق المنطقية يسير باتجاه مغالطة اقتصادية ضارة تعزز الجانب المظهري للأفراد، على حساب مساعدة البعض في بناء مجتمع سليم اقتصاديا، الامر الذي يدعو الى تنبيه الافراد بضرورة مغادرة أغلب هذه التصرفات والسلوكيات التبذيرية غير الاقتصادية، ومحاولة تعزيز المدخرات المحلية لتقوية الجهاز المصرفي باتجاه تحفيزه بزيادة الائتمان ودعم الاستثمارات المحلية، ما يسهم في معالجة الاخلالات الاقتصادية عبر الوقت، ويدعم الوحدة المجتمعية عبر ارتفاع حجم الاعمال الخاصة، التي تسهم في زيادة التشغيل والقضاء على البطالة بين صفوف الشباب العراقي.