بابل: صلاح السعيد
الحلة، مركز محافظة بابل وهي المحافظة الزراعيَّة بالدرجة الأولى وتقع في قلب منطقة الفرات الأوسط ويخترقها شط الحلة الذي كان سابقاً نهر الفرات الأصلي قبل إنشاء سدة الهنديَّة. ولكونها محافظة زراعيَّة فقد نشأت الحاجة الى طلب العدد والأدوات المتعلقة بالزراعة، ومنذ زمن بعيد امتهن عدد من الأسر هذه المهنة ومارسوها منذ القدم بحرفية عالية لتغطية حاجات الفلاحين على مدار السنة.
ومن هذه الأسر الحلّية التي مارست هذه المهنة وتوارثتها، أذكر منهم السادة آل تاج الدين والحداد الهوزوز وأخوه عبد الأمير من بيت أبو سراج والحاج محمد الحداد والحاج وحيد الحداد والحاج موسى الحداد وأولاد بقلي.
منذ الصباح الباكر يفتح هؤلاء الحرفيون ورشهم ويبدؤون تحضير الكورة وأدوات العمل، وأجمل ما في منظر السوق هو التناسق في العمل من خلال وضع القطعة الحديديَّة بعد إخراجها وهي حمراء من كورة النار ثم مسكها بالكلّاب من قبل شخص آخر، بينما يتناوب الآخرون بالطرق والضرب المتناسق الدقيق وبإيقاعٍ منتظمٍ من دون أي خطأ؛ لأنَّ الخطأ يعرض الجميع للخطر.
تجمعت هذه الورش والدكاكين في مكانٍ واحدٍ في المدينة في سوق تسمى سوق الحداحدة (الحدادين) وسوق ضيقة مسقفة تسير متوازية مع السوق الكبير التي تمتد من جسر الحلّة القديم حتى منطقة الجبل (الجنائن) بطول حوالي كيلومترين. وفي هذه الورش الصغيرة تجد هناك عدة العمل من السندان الضخم والمطارق المتنوعة وكورة النار التي يوضع فيها الحديد حتى يلين ويُشكلُ حسب الحاجة.
والأدوات والعدد التي يتم تصنيعها في هذه الورش والخاصة بالزراعة منها المنجل الذي يستعمل لحصاد الحبوب، والباذورة وهي أداة حديديَّة مسننة ذات مقبض خشبي تستخدم في الحقل لمعالجة الحشائش الصغيرة والدغل وهي تشبه المنجل المسنن، والداكور الذي يستعمل لقلع الحشائش الضارّة، والمسحاة التي تستعمل لقلب التربة، والهيم وهو قضيب حديدي طويل يستعمل لقلع فسيل النخيل، والتبلية التي تستعمل لصعود النخيل لغرض جني التمر وتكريب السعف، وتركيس العذوق ويصنع من ألياف نباتية خاصة، أمّا سكينة التكريب فتخصص لقطع عذوق التمر وتكريب النخلة.
أمّا أدوات البناء التي يحتاجها البناؤون وتصنع في هذه الورش مثل الفأس والمر وعربة نقل مواد البناء الصغيرة والمطرقة وطاسات البناء وأنواع الشواكيش, كما تصنع في هذه السوق السلاسل الحديديَّة بأنواعها ولواجم الحيوانات لغرض ربطها في الحظائر.
ومن الصناعات التي اندثرت هي آلة الحرث اليدويَّة التي تجرها الثيران (المحراث) والتي استعيض عنها الآن بالتراكتور. كما اندثرت صناعة النواعير واستعيض عنها الآن بالمضخات الزراعيَّة.
ومن الأدوات الأخرى التي تصنع يدوياً في هذه السوق أنواع المناقل لشوي اللحوم وشوايات الأسماك والدجاج (الطباﮔـات) وأسياخ الشوي بأنواعها الطويلة منها للتنانير والقصيرة للمناقل.
وفضلاً عما ذكر، هناك ورشٌ مختصة بصناعة السيوف والخناجر والقامات التي تستعمل لتطبير الرؤوس في موسم عاشوراء، كما أنَّ هناك ورشاً مختصة بصنع قبضات المساحي والكركات والفؤوس من خشب أشجار معينة بعد تسويتها وتليينها على النار لجعلها مستقيمة.