رونان أوكونيل
ترجمة: جمال جمعة
زوبعة ما بعد الظهيرة تعصف عبر شارع السوق القديمة المهجورة، مارة بالمتاجر المغلقة والمطاعم المعتمة. بلدة سلايغو الطلابية الايرلندية الصاخبة أضحت متجمدة، مر شهران على الإغلاق الصارم فرضته الحكومة الايرلندية في عموم البلاد لمكافحة الفيروس التاجي المستجد، الذي أودى بحياة الناس في أيرلندا أكثر مما في الولايات المتحدة مقارنة بنسبة السكان.
المرة الأخيرة التي كانت فيها سلايغو بمثل هذا الخواء، هذا الهمود، هذا الحظر، كان قبل 188 عامًا. كانت الكوليرا هي الجانية. لم ينتج عن هذا الوباء الموت والفاقة والمجاعة والفوضى والهروب فحسب، بل أنتج كذلك مصّاصَ دماء أسطوريًّا. ومع ذلك، لم يحقق الباحثون الأيرلنديون هذا الاكتشاف المذهل إلا في أواخر عام 2018: دراكولا ولِد في سلايغو.
في عام 1832، في شارع السوق القديمة، اختبأت فتاة أيرلندية تبلغ من العمر 14 عامًا في منزلها أثناء تفشي الكوليرا، الذي أدى إلى مقتل أكثر من 10 بالمئة من سكان البلدة. المشاهد المروعة من حولها (المقابر الجماعية، الجثث في الشارع، الضحايا وهم يُدفنون أحياءً) قامت بروايتها لابنها لاحقًا. كان اسمه برام ستوكر، وهذه القصص القاتمة أضحت مصدر إلهام رئيس لكتابة (دراكولا)، إحدى أكثر الروايات تأثيرًا في التاريخ. نُشرت لأول مرة في عام 1897، وأدّت حكاية مصاص الدماء هذه إلى ظهور عشرات الأفلام والمسرحيات والبرامج التلفزيونية والكتب.
في رواية ستوكر، يسافر محامٍ إنجليزي إلى جبال ترانسيلفانيا في رومانيا، حيث يزور مكانًا منعزلاً يُدعى قلعة دراكولا. وهناك يتعرض للهجوم والسجن من قبل مصاص الدماء، الكونت دراكولا، والباقي معروف إلى حد ما.
من بين النظريات العديدة المتواجدة منذ زمن طويل بشأن استلهام ستوكر لدراكولا، فإن أكثرها شعبية هو أن المؤلف كان محفَّزًا بشخصية «فلاد المخوزِق»، وهو قائد روماني ساديّ اشتهر بتعذيب أعدائه. أمير القرن الخامس عشر هذا كان يُدعى أيضًا «دروكيولا».
هذا هو، مع ذلك، الموضع الذي يبدو فيه أن الروابط بين «دراكولا» و»دروكيولا» تنتهي. على الرغم من بيئة ترانسيلفانيا، وحقيقة أن قلعة بران في ذلك الأقليم تسمّى الآن أيضًا بقلعة دراكولا، فإن الروايات التاريخية تُظهر أن فلاد كان لديه ارتباطات ضئيلة بتلك المنطقة، ولم يعش في الواقع في تلك القلعة على الإطلاق.
ولذا، بعيدًا عن عنوان الكتاب، من أين أتى ستوكر بفكرة دراكولا، الغول الذي مات ولكنه على قيد الحياة ويصيب أولئك الذين يعضّهم بالعدوى، ويحولهم إلى مصاصين للدماء؟ الجواب يكمن في سلايغو، وهي بلدة خلابة تأوي الآن 20.000 شخص على الساحل الغربي لأيرلندا ومحاطة بغابات كثيفة، وجبال خضر، وشواطئ شديدة الرياح، وأنهار غنية بسمك السلمون.
هذا هو رأي المؤرخة الأيرلندية ماريون ماكغاري، عضوة «جمعية سلايغو ستوكر»، التي أجرت بحثًا تدقيقيًّا في الروابط بين دراكولا وتفشّي الكوليرا في سلايغو.
أقوى رابط وجدته ماكغاري، على الرغم من ذلك، كان بين الحالة الحدّية لدراكولا (كونه ميتًا وواعيًا في الوقت نفسه) وبين وصف ثورنلي لضحايا الكوليرا الذين دفنوا أحياء. كان ستوكر مفتونًا جدًا بهذه التفاصيل. لدرجة أن العنوان المؤقّت لروايته كان «الميّت الحي»، قبل أن يغيّره ناشرُه لاحقًا إلى «دراكولا».
قصص الكوليرا التي روتها ثورنلي إلى ستوكر كانت واقعية، كما تقول فيونا غالاغر، المؤرخة الأيرلندية التي درست هذا الوباء. إن. تفشّي المرض أباد ما يصل إلى 1000 من سكان سلايغو وتسبب في حدوث هرج ومرج. ولمنع السكان من الهروب من البلدة الموبوءة بالأمراض (وبالتالي انتشار الطاعون إلى أماكن أخرى)، تم حفر الخنادق حول سلايغو وقطعت الطرقات.
هاجمت الكوليرا بلدة سلايغو بشراسة وسرعة حتى أن الجثث ظلت ملقاة في الشوارع، ولم يتمكن 20 نجارًا من تلبية الطلب على التوابيت.
«بقيت العديد من الجثث بلا نعوش»، تقول غالاغر. وبدلاً من ذلك، تم لفّ نحو 500 ضحية في مُلاءات ودفنت في خندق عملاق. مات معظم أطباء وممرضات سلايغو بسبب المرض، وفرّ العديد من رجال الدين، وقام السكان المحاصرون في المدينة بأعمال شغب.
مثل هذه الأوصاف، كما تؤكد، هي التي ألهبت مخيّلة ستوكر. على الرغم من أنه كان شخصًا مشهورًا، إلا أن المؤلف أقرّ، في مقابلة نادرة حول دراكولا، أن القصة «مستوحاة من فكرة دفن شخصٍ ما قبل يكون ميتاً تمامًا».
في العام الماضي، تبنت بلدة سلايغو هذه الصلة المكتشفة حديثًا مع دراكولا، وتأمل في أن تتمكن من استخدامها لاجتذاب السياحة. تم تكريس فن الشارع لستوكر ومخلوقه مصاص الدماء، ونصبت مؤخرًا لافتة على المبنى الذي كانت ثورنلي تعيش فيه خلال فترة الوباء، وثمة جولة سياحية على الأقدام تحمل ثيمة دراكولا سيتم إطلاقها في هذا العام.
أحد ذرية ستوكر، الكاتب الكندي داكر ستوكر، زار البلدة في العام الماضي للمشاركة في احتفال يحتفي بصلات سلايغو مع دراكولا.
Atlas Obscura