الرثاء في شعر الحاج زاير

فلكلور 2021/02/03
...

  محمد الخالدي

نبذة تعريفيَّة
هو: أبو عسكور، زاير بن علي بن جبر المسلماوي، المعروف بالدويج، تتنازعُ شهرته مدينتا النجف والحلة، فبعضهم يرى أنه حلي الولادة، لكونه ولد في منطقة برس التي تقع على مقربة من ناحية الكفل، ويرى آخرون أنه نجفيّ، لكونه نشأ وترعرع في هذه المدينة المقدسة. وأرى أن نسمّيه الحاج زاير النجفي الحلي إنصافاً للمدينتن.
قيل إنه ولد في النجف عام (1277هـ/ 1860م)، وعاش اثنين وخمسين عاماً، ولكني أرجحُ ولدتَه في الحلة، أما وفاته فقد كانت في العام (1329هـ/1911م)، وهناك من يزعم غير ذلك. ومما يحسن أن يقال إن الحاج زاير كان على علاقة وثيقة مع بعض زعماء وشيوخ عشائر منطقة الفرات الأوسط، كالمشخاب والشامية وغيرها.
والشعر الشعبي العراقي جزءٌ لا يتجزأ من الشعر الشعبي العربي، وقد برزت فيه أسماء شعرية لشعراء كبار، يقف في مقدمتهم شعراء أدب الطف الذين تفننوا في هذا الغرض الشعري، حتى أصبحت قصائدهُم محطَ اهتمام كثيرٍ من الدارسين. ويعدُ الشيخ العلامة ابن نصار (صاحب النصاريات الكبرى) المتوفى سنة (1294هـ/ 1877م) في طليعة هؤلاء الشعراء الشعبيين الذين كتبوا في قضية الطف، ثم يليه الشاعر الشعبي الشهير الحاج زاير، الذي يعدُّ من أبرز شعراء عصره، إذ تميّز شعرهُ بالبساطة، والوضوح،وقد قيل عنه إنه كان سريعَ الارتجالِ في الشعر، لا سيما في الغزل والهزل، وقد قارن بعضهم شعره بالمتنبي، إلا أننا نجدُ في ذلك غلواً، فشتان ما بين المتنبي، وزاير، كما أنّ بعض النصوص التي ضمها ديوانه الذي جمعه وأعده الحاج محمد باقر الإيرواني، ما زالت موضعَ خلافٍ بين الدارسين والباحثين، إذ إنها لم تخضع للتحقيق والتدقيق من لدن باحث محايد.
وعود على بدء أقول إنّ المتعارف عليه أنّ السمةَ الغالبةَ على شعر الحاج زاير، هي: الغزل، والهزل، والمدح، والهجاء، إلا أنّ ديوانه لا يخلو من شعر المراثي.
 
الرثاء عند الحاج زاير
يسلك الحاج زاير في رثائه مسلك الشعراء التقليديين الذين يتجهون برثائهم نحو إثارة المشاعر والعواطف الكامنة في النفس الإنسانية، معرجاً بعد ذلك على ذكر محاسن الميت التي تتمثل بالشجاعة والكرم والجود وحسن السيرة، وهذا ما نجده في شعره الذي رثى به بعض الشخصيات العشائرية. كما ينسحب ذلك في مراثيه لأهل البيت (عليهم السلام) الذي جمع فيه بين الرثاء والمدح، فهو عندما يرثي أحداً من رموز الطف، مثلا فإنه لا يكتفي بالرثاء فحسب، بل يضفي صفات البطولة والشجاعة والمروءة على المرثي، وهذا ما لمسناه في قصائده التي رثى بها العباس والقاسم وبني هاشم الذين استشهدوا مع الإمام الحسين في كربلاء، وقد يمزج في بعض مراثيه بين الرثاء والعتب، كما في قصائد (أرد أعاتب كربله على أضيوفها)، و(جينه ننشد كربله امضيعينها)، و(جينه ننشد خيمكه)، و(خيمكه برايات متمنيها)، والملاحظ أنَّ أغلب قصائده التي نظمها في رثاء رجال الطف، كانت من وزن الموشح الذي يتسم بالسهولة وعدم التكلف، منها: (فخر هاشم سورها ومنعوتها)، و(ريت حيدر كربله بيها يشوف)، (وين حلال المشاجل ما تكوم؟)، و(ليوث هاشم ما تذل انفوسها)، و(ريت حيدر ينتهض بركوبه).
وهناك بعض القصائد التي نظمها على وزن حدي، فضلا عن مقطوعات قليلةٍ من النعي، أما بالنسبة للفنونِ الشعريةِ الأخرى كالزهيري، والأبوذية، فقد كانت قليلةً بالقياس إلى القصائد. 
من هنا يمكن القول إنّ الرثاء في شعر الحاج زاير لم يكن شعراً منبرياً، كما متعارف عليه في الوقت الحاضر، بل كان ينظم بطريقة المربعات، وهذا ما يرجح عدم شيوع شعر المنبر في تلك المرحلة، إذ لم نجد في ديوانه حتى نصاً واحداً منظوماً بطريقة الشعر المنبري الذي ربمّا ظهر بعد منتصف الثلاثينيات من القرن المنصرم، إذ لم نجد نصاً منبرياً قد نُظم قبل هذا التاريخ.
أما شعر الرثاء عند الحاج زاير فيمكن تقسيمه على أربعة أقسام:
أولا: شعره في مراثي آل البيت:
للحاج زاير، مجموعة من المراثي في حق آل البيت تربو على إحدى عشرة قصيدة، فضلاً عن عددٍ قليلٍ من أبيات الأبوذيَّة والزهيري، ومن أمثلة هذه القصائد قصيدته الشهيرة (جينه ننشد كربله امضيعينها)، إذ يقول في بعض منها (9):
جيــنه ننشد كربله امضيعينها بيـهـــا زيــــنــب كـــالــوا امــيسريــنهــا
يــسّروهـا ولا ألها واحــد فـزع شال حادي أظعونها أبساع أوكــطع
جينه ننشد وين أبو فاضل وكع مـــــا تــدلّـــونـــه الشــريــعـه ويــنـهــا
بس أشــوفه والعتب منّي يزود وأدري أبــو فاضل على النخوه يــجود
عذره حكّه ايكول مگطوع الزنود أوحــال مــلــج المـــــوت بـيــنه وبينـهــا
وله في الرثاء أيضا بوزن الأبوذيَّة (10):
يحادي العيس بالله اعليك ونهن لما يگضن خـــوات احسين ونهن
هاي الجثث باجي الروس ونهن خــذوهن للــدعـي وابــن الـدعيّه
وله في النعي عن لسان زينب،وهي من النعي المهداد (11):
آنه أنــخاك يا عــــباس دكـعـد دنـهض يخـــويــه المحــملي شــد
وكت الرجب أنته تكف سد خــاف الخــليج اعــيونها اتصـــد
أو حادي ضعنه ايريد يبعـد مـــا خــذ ســبايــــه أونـيتـــه أيــــمــد .. إلخ
ثانياً: شعره في رثاء السادات والأشراف:
لم نجد من شعره في رثاء أصدقائه سوى نصٍ واحد كان يخاطبُ به صديقاً له يُدعى (جاسم الكديش) من أهالي الكفل، ويعزي إيّاه بوفاة المرحوم عباس الشكري في قصيدة، نقتطف بعضاً من أبياتها، وهي من وزن المربعات، أو ما نسميه اليوم بالتجليبة (15):
يجــاسم والــهوه العذري أومناويه بعــد للكوس مــدفــع مــا بكه بيــّه
بيه ما بكه مــدفــع بعــد للكــوس ومن البين راسي أشكثر يحمل دوس
لم جيشه عليه أولا رجـــع متروس صكني أو صــرت نيشان المــرامـيه
وله في الزهيري هذا البيت الذي يُنسب إليه في رثاء الرادود خليل الشمّاع، يؤرخ فيه يوم وشهر وعام وفاته، إذ قال (16):
حـــزني أعله ولفاي دايـم يــــا رفـــاكه لحـد
وحدي أنوح أكتفـي ما ريــد نــــاس اولحــد
سيفي فكـــدته أوغــيره مــا يفـــيد إلــه حـــد
أشما جنت أكلّه حظر ما بين أديـــه ولــــف
يا لايمــــي لو لمتــني اشـلون فــــاجـد ولـــف
بالــثلــث مـــيه وثـــــلاثين أوثـــــلاثه ولــــف
اسباعطعش رمضان أرخ بي خليل انـلحد
وخلاصة القول: إنّ رثاء الحاج زاير قد غلبت عليه العفوية والبساطة، وعدم التكلف، وكانت هذه السمات هي السائدة والمألوفة في شعر تلك الحقبة من تاريخ الشعر الشعبي العراقي.
الهوامش:
1) ضيف، شوقي، تاريخ الأدب العربي، العصر الإسلامي، ط7، دار المعارف، مصر، (د.ت)، ص73.
2) م. ن.
3) م.ن، ص 73 - 74.
4) الكنعاني، نعمان ماهر، شعراء القصيدة الواحدة، ط. 1966م، (د.م)، ص43-44.
5) قائل هذا البيت علباء بن جحش، ينظر: الطبري، محمد بن جرير (ت 310هـ) تاريخ الملوك والرسل، دار الكتب العلمية، بيروت،1407هـ ،ج2، ص415.
6) هذا البيت ينسب للرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وسلم) قاله في يوم حُنين. ينظر: كتب وحضارات. مج 3
7) مصطفى، د.عدنان صالح، في الشعر الأندلسي، ط1، دار الثقافة، الدوحة، 1987م، ص154.
8) ضيف، شوقي، الرثاء، ط3، دار المعارف، مصر، 1979م، ص54.
9) ديوان الحاج زاير، ط4، مط الغري الحديثة، النجف 1958م، تنظيم: محمد باقر الإيرواني، ص27.
10) م.ن، ص42.
11) م.ن، ص44.
12) م.ن، ص49-50.
13) م.ن، ص53.
14) م.ن، ص55-56.
15) م. ن، ص57.
16) م.ن، ص55.