قحطان جاسم جواد
هذه اللوحة (وداع الصيف) للفنان المبدع ستار كاووش رسمها في بداية وجوده في هولندا، حين دخل البلد وهو لا يملك سوى موهبته وملابسه التي يرتديها فقط. وقد استلف وقتها نقودا لأجل اقامة معرضه الأول في مدينة روتردام. واكتشف أن تحقيق النجاح في هولندا لا يعتمد على الموهبة فقط، بل يتطلب فردية عالية ومهارات شخصية ومحاولات لا تنتهي لإثبات الحضور، والصعوبة الأكيدة هنا هي كيفية ايجاد فرصته بين آلاف الرسامين الهولنديين المهمين، فضلا عن أن أصحاب قاعات الرسم ومسؤولي المتاحف هناك لا يلتفتون إلى مجرد رسام جيد، فهم لديهم الكثير من ذلك، أنهم يبحثون عن رسام متفرد لديه منطقة خاصة يعمل عليها بتقنيات مختلفة ولا يشبه الآخرين.
حين رسم كاووش هذه اللوحة لم يكن يملك اقامة ولا أوراقاً رسمية كجواز سفر، كان يرسم فقط، وحاول أن ينسى كل شيء ماعدا الرسم، الذي كان يمثل له وطن افتراضي. ولوحة (وداع الصيف) هي واحدة مما رسمه وهو يشعر ببرد شديد يحيط به من كل جانب، وأسئلة تحاصر وجوده. (من أنا)؟ كان يسأل نفسه، أين هي بلاده التي قضى فيها كل عمره؟ أين بيته؟ هل هو في هولندا حيث يعيش الآن أم في العراق؟
لهذا أظهر في اللوحة الشخص الذي يلوح بيده بوجهين متداخلين. وهناك الرجل البعيد الذي يظهر في الأفق، وهو اشارة له ايضاً حين كان يجوب شوارع مدينة روتردام بحثاً عن الكثير من الأسئلة التي تشغل تفكيره.
العراق هو وطنه، لكنه يشعر بأن هولندا هي بلده أيضا، ببساطة لأنها أعطته الحب والحرية والأمان،
والصيف.
في هذه اللوحة يجد مدينة بغداد التي أصبحت بعيدة، هناك حيث ولد وتكونت شخصيته كإنسان وفنان، وهناك ترك اصدقاءه ولوحاته وكتبه وكل ذكرياته، وفي ذات الوقت الذي يتذكر فيه الصيف في بغداد، يتذكر هولندا التي أحبها كثيرا مثلما أحب امرأة هولندية رائعة، إذ تبقى المرأة بالنسبة له رمزاً للدفء والجمال والبيت والأرض
والوطن.
هذه اللوحة عرضها في معرضه الشخصي (الرسم في أرض لا أحد) بمدينة إنكهاوزن في هولندا، وقد اختار اللوحة فيما بعد الكاتب والعالم النفسي الهولندي كيس لابان ووضعها غلافاً لأحد كتبه، ولم يتوقف الأمر عند حصوله على ثمن حقوق استخدامها من قبل دار النشر، بل اتصلت زوجة لابان بكاووش نفسه بعد صدور الكتاب وحضرت الى المرسم واشترت اللوحة وقدمتها لزوجها هدية بعيد ميلاده، لذا قبض كاووش ثمن هذه اللوحة مرتين، عكس ما حصل حين عرضها في معرضه الأول في هولندا ولم ينتبه اليها
أحد.