صوفيا لورين.. أثرٌ مفعمٌ بالحياة لعصر السينما الذهبي

منصة 2021/02/17
...

  الكسندرا بولارد
  ترجمة: شيماء ميران
إنها الممثلة الإيطاليَّة إحدى أشهر فاتنات السينما، كانت دائما تميل إلى الأدوار الجريئة، ولم تتوقف عنها حتى الآن رغم أنها بعمر الـ 86 عاماً. صوفيا لورين، من أكثر النساء تميزاً، وهي فاتنة الشاشة الموهوبة التي لم تأت شبيهة لها بعد. وعندما سألتها هل كنتِ يوماً تريدين أن تكوني امرأة اعتياديَّة، أجابت بحيرة: “لماذا تعتقدين أن النجم يكون شخصاً ليس طبيعياً؟. يقولون إني نجمة، لا أعلم، فلم أشعر أبداً بأني طبيعيَّة جداً في حياتي”.
عاصرت عمالقة الفن
ربما النجوميَّة اليوم تجعلك تشعر بالروتين. فشهرة هذه الممثلة الإيطاليَّة سطعت قبل أنْ تطأ قدم الإنسان سطح القمر، لتكون الأثر الباقي المفعم بالحياة لعصر السينما الذهبي، إذ عاصرت ممثلين أمثال جون واين، مارلون براندو، كلارك غيبل، تشارلي تشابلن، مارسيلو ماستروياني، فرانك سيناترا وكاري غرانت. لعبت أدوار الغانيات والمهاجرات والعميلات المزدوجات والزوجات المملات، متحدية التقاليد والنمط الشائع، التي رفضها النقاد جميعاً كونها مثيرة ومغرية.
وكان العام 1960 هو نقطة التحول القوية بالنسبة لها، إذ لعبت دور أم تهرب من أهوال الحرب في فيلم (امرأتان)، لتصبح أول ممثلة تفوز بجائزة الأوسكار عن أداء دورٍ ليس باللغة الانكليزيَّة. كما فازت بخمس جوائز غولدن غلوب وهي جائزة الغرامي، كأس فولبي في مهرجان فينيس السينمائي، وأفضل ممثلة في مهرجان كان، وجائزة الأوسكار الشرفية. فضلاً عن تكريمها بالنجمة رقم 2000 على ممر المشاهير في هوليوود. وكتبت فرقة رولنغ ستون أغنية عنها عنوانها “باس ذا واين صوفيا لورين”. فان لم تكن صوفيا لورين نجمة، فلا أحد غيرها سيكون كذلك.
تقول لورين: “لا أعلم، لقد حيرتموني. سأفكر بالأمر، ولربما يمكن أنْ نتحدث مرة أخرى بعد شهر أو أكثر”.
التقيت بلورين عبر برنامج الزووم، ورغم أنَّ كاميرتها كانت مغلقة، لكنها ذات جاذبية وكاريزما غامرة. وأعربت عن نفسها قائلة: “من الصعب بالنسبة لي التعبير عن نفسي بلغة أخرى”، ومع ذلك كانت معبرة جداً لدرجة انها تبكي مرتين، وكانت تنهي الأجوبة بقول أشياءٍ مثل “فويلا، شكراً لك، تلك هي قصتي”.
 
أدوار قويَّة ومؤثرة
تعيش لورين في منزلها بمدينة جنيف في سويسرا، والذي يبدو قصر بيكنغهام كئيباً مقارنة به. فقد رأيت صوراً له فيها ثريات ومنحوتات رخامية وشمعدانات فضية ولوحات بإطارات مزخرفة، فضلاً عن غرفة مخصصة بالكامل لتماثيلها المصنوعة من الذهب. ورغم أنَّ القصر يصبح غير رائع حين لا يسمح لك بمغادرته، فحتى النجوم لم تستثنهم الجائحة. وحين سألتها كيف كانت؟ أجابت بعد تنهيدة مطولة: “لا أعلم ماذا أفعل في حياتي، لأنني في المنزل ولا أغادر، ولا أريد الخروج، أخشى الموت. والفيلم هو الشيء الوحيد الذي أشعر أنه قريبٌ مني لأنه من أجلي. فهو ملكي وصنيعتي”.
تحدثنا عن فيلم (الحياة المقبلة) الذي تلعب فيه أول دور بطولة لها بعد عقد من الزمن، وقد يجعلها تحصل على أوسكار أخرى، واخرج ابنها إدواردو بونتي هذه الدراما الإيطاليَّة عن زوجين غريبين وشجاعة خياليَّة. تلعب لورين دور مدام روز، الناجية من محرقة اليهود، والمومس في السابق، والتي تعمل حالياً بوظيفة رعاية أطفال النساء الأخريات، شخصية متشددة لكنها حنونة، تخفي صدمة قديمة خلف أطواقها ذهبية ورذاذ شعرها واللسان الحاد، توافق على أخذ مومو (إبراهيما غويي)، وهو طفل سينغالي بعمر 12 عاماً سرق حقيبتها، ليظهر الزوجان بعلاقة شائكة.
تقول لورين: “كان الدور جميلاً، والشخصية قوية ورقيقة ومسلية ومؤثرة.. أي كل ما تجسده المرأة، وكل ما أردت دائماً أنْ أظهره على الشاشة، ففي مسيرتي المهنية، حاولت دائماً لعب دور النساء ذوات الشخصيات القويَّة”.
وتجد الكثير من تلك النساء المهمشات في المجتمع، حتى في أدوارها الكوميديَّة التي تضطرها للتحول الى الجانب النابولي. فهناك مارا في فيلم (Yesterday, Today and Tomorrowy -1963)، مرافقة تجاهلت مقترح جارها بأنها ستذهب إلى الجحيم لتؤدي أفضل أدوار العُري هناك. وفي فيلم (يوم خاص- 1977)هناك أنتونييتا، زوجة فاشي ساخط نشأت بالقرب من جارها مارسيلو ماستروياني، وهو أكثر نجم تقاسمت البطولة معه. وفيلومينا في فيلم (زواج على الطريقة الايطالية- 1964(، التي تحاول خداع حبيبها، ماستروياني ايضا، ليتزوجها ويحصل أولادها الثلاثة بذلك على اسم عائلة، كونهم ولدوا خارج نطاق الزواج، ومنحها هذا الدور ترشيحاً للمرة الثانية لنيل الاوسكار. تقول لورين: “لقد ولدت في عائلة... ليست تقليديَّة”.
 
طفولتها ومراهقتها
اسمها صوفيا فيلاني سكولون قبل أنْ تصبح صوفيا لورين، ولدت في جمعية خيريَّة للأمهات غير المتزوجات عام 1934، وتستذكر: “أمي روميلدا امرأة جميلة، كانت تتمنى أنْ تصبح ممثلة لأنها تشبه غريتا غاربو تماماً، ففي كل مرة كانت تخرج إلى الشارع يتجمع الناس حولها ويطلبون التقاط الصور معها”. وعندما كانت والدتها مراهقة، فازت بالفعل بمسابقة الشبهة بالممثلة غريتا غاربو، وكانت الجائزة سفرة إلى اميركا لكنَّ والديها لم يسمحا لها بالسفر. تقول لورين: “لم يحدث شيء معها، كانت دائماً تعيش وحيدة، لقد كانت قوية ظاهرياً. رغم كان من المفترض أنْ تكون كذلك، لكنها ليست بالقوة التي تظهرها للبقية ولنفسها”.
عاشت صوفيا ووالدتها وأختها الأصغر ماريا اللتان لم يرغب بهما والدهما ولم يعطهما اسمه حين بدأت الحرب العالمية الثانية على حصة من الخبز والطعام في مدينة بوتسوولي. كانت لورين سيئة التغذية للغاية لدرجة أنَّ بقية الأطفال يطلقون عليها (عود أسنان)، إنْ لم يلوموها على كونها طفلة غير شرعيَّة.
كما تستذكر: “جميع الأطفال في المدرسة من أسر لهم آباءٌ. لا أقول إني كنت حسودة، لأني أحببت أصدقائي جداً، لكني لست مثلهم. أحسست بالاختلاف، وكان الأولاد الصغار يسخرون مني، وكنت أعاني من ذلك كثيراً. ورغم أنها مسألة كبيرة، لكنها لم تجعلنا أقل من أي أسرة بسبب عدم زواج أمي، وربما جعلتنا أكثر من كوننا أسرة، لأننا تماسكنا وبالفعل لم نكن نشبه الآخرين”.
مضيفة: “أنَّ سرد القصص عن الأسر غير التقليديَّة يمكن أنْ يساعد الفتيات والأولاد الصغار ليكونوا فخورين بأسرهم. جميعنا نستحق أنْ نكون محبوبين بصدقٍ وعمق”.
 
جمال لورين
وما انْ خرجت لورين من هذه المرحلة إلى مرحلة مسابقات الجمال. وهذا الوقت المناسب للإشارة الواضحة إلى جمال لورين لدرجة أنها أصبحت مرادفة لهذه الكلمة. ففي شبابها، اضطرت إلى العمل مع نجوم فاسقين، أمثال كاري غرانت الذي رغم زواجه لكنه كان مولعاً بها في فيلم هاوس بوت عام 1958. 
بينما بيتر سلرز المتزوج ايضاً أعلن حبه لها أمام زوجته. أما مارلون براندو، فحاول التقرب لها في فيلم (كونتيسة من هونغ كونغ عام 1967)، وحاولت تنبيهه بالتصفير له. لكن هذا الجمال كان بمثابة حصان طروادة للهروب من ملايين المواقف غيرها كالحماقة، قوة الشخصية، الصلابة، الفكاهة، الوحدة والضعف. وعندما حضر منتج الأفلام المشهور كارلو بونتي إحدى مسابقات الجمال، انجذب للوهلة الأولى إلى جمال لورين، إلا أنَّ موهبتها هي التي حافظت على جمالها. لكن كان له اقتراح واحد فقط، وهو إجراء تعديل صغير على أنفها، لكنها أجابته: “إنْ أجريت تغييراً على أنفي سأعود إلى بوتسوولي”. وتدريجياً قامت ببناء سمعتها بأنفها السليم. بدأت من أدوار بسيطة في أفلام واطئة الميزانية إلى أدوار البطولة. وحين طرحت فيلمها الأول الكبير (عايدة) عام 1953، أنفقت أجورها التي بلغت مليون ليرة إيطاليَّة لشراء حقوق أختها في الحصول على لقب أبيها، وتقول: “لقد كنت محظوظة كفاية بالحصول على أدوار تلائم مظهري وداخلي ايضاً”.
 
ثنائي رائع
كانت لورين يانعة حينها، لكنها تنسب الفضل إلى المخرج الايطالي فيتوريو دي سيكا في البحث عنها. وتستذكر قائلة: “كنت بعمر السادسة عشرة، ولم أكن أعرف بماذا أفكر. وينبغي أنْ أقول لو لم أتعرف على فيتوريو، لما وصلت إلى ما حققته. كان فناناً موجهاً رائعاً في مجال التمثيل”. كان دي سيكا يوجه لورين عبر مكالمات هاتفيَّة مطولة حتى قبل أنْ يتعاونا معاً: “لقد أعطاني حافزاً للتقدم وعدم الشعور بالخوف من الجرأة مطلقاً”.
في نهاية المطاف، شكلت مع دي سيكا ثنائياً عملا عشرات الأفلام، أفضلها كان فيلم (امرأتان)، إذ يروي قصة سيزيرا، أم ارملة هربت إلى مدينتها الريفيَّة حين وقعت روما تحت الحصار، قدمت فيه لورين أداءً مذهلاً، متحدية عرف الأنوثة في لحظات الغضب، وكانت ثورية بحد ذاتها. نتذكر قولها لعشيقها: “أنت لست سيدي، وأنا لست ملكاً لأحد”. 
أو عندما واجهت شاحنة محملة بالجنود بعد تعرضها هي وابنتها ذات الثلاثة عشر ربيعاً إلى الاغتصاب الجماعي، وتسأل الضابط الأميركي وهي ترمي بنفسها أمام عربته: “هل تعلم ماذا فعل هؤلاء الأبطال الذين تحت امرتك؟. كلا أنا لست مجنونة، ولا غاضبة، انظر اليها واخبرني اني مجنونة”. وبينما يسرعون تقوم بقذف الحجارة باتجاههم قبل أنْ تنهار وسط الطريق الترابي. أدت لورين هذا المشهد مرة واحدة فقط فقال دي سيكا: “لنجمع عدتنا ونعود للمنزل”، فسألته لماذا ؟، فأجاب: “لن تعيدي مرة ثانية لأنَّ المشهد كان مثالياً”.. “ولم أكن أظن اندي سيكا قد يقول هذا لي مطلقاً. وكل مرة التقي به أقول: “ربما كان على حق، قبلته على وجنته، والآن سأبكي برهة لأني عاطفيَّة جداً”.
شعرت لورين بلهفة أخرى غير التمثيل: “كنت دائماً أفكر بالمنزل والاطفال والأسرة”. وبعد أنْ رفضت النجم غرانت، تزوجت من المنتج بونتي عام 1958، ورغم وجود إشكال قانوني منظور في ايطاليا في دعوة طلاقه من زوجته الأولى، لكنهما تجاوزا ذلك لاحقاً وتزوجا مرة أخرى عام 1966، وبعد عامين رزقا بمولودهما الأول كارلو جونيور، وبعد خمس سنوات ولد إدواردو.
 
حب الأسرة والأحفاد
تقول لورين عن ولديها: “إنهما جميلان. ودائماً أريد ألا أنسى ذكرى بدء حملي بهما، وحين بدأت بالتفكير أني سأصبح أماً ذاًت يوم. إذا واصلت الكلام سأبكي. كوني حذرة، لأننا كنا دائماً هنا. أنتِ لا تعرفيني، لكني هكذا دائماً”.
كانت أسرة لورين السبب وراء تراجعها عن التمثيل في بداية الثمانينيات، ومن ذلك الحين عادت لكن بشكل متقطع. وتقول: “ذات يوم كنت بالمنزل وأفكر، يا إلهي أنا أعمل بجد منذ أنْ كنت بعمر السابعة عشرة. وفي ذلك الوقت تزوجت ورزقت بطفلين وفكرت بنفسي، يا إلهي لم أعد أستمتع معهما لأني لم أتمكن من أنْ اكون معهما، قلت لنفسي أريد أنْ أتمتع بأولادي، أريد البقاء معهما، لأني في النهاية لدي ولدان جميلان، لذلك أوقفت كل شيء، ومن دون أنْ أشعر ابتعدت عن السينما لفترة طويلة”.
كان إدوارد هو من أقنع لورين بتمثيل فيلم (الحياة المقبلة). ولو لم توافقه لكان آخر أفلامها (ناين -2009) الرومانسية الموسيقية للمخرج روب مارشالو من بطولة دانيال دي لويس. لقد استمتع ادوارد ولورين بالعمل معاً، لذلك تفاجأت عندما علمت أنها لا تزال بحاجة الى إسناد متواصل منه. وتوضح: “أحياناً أكون حزينة كثيراً جداً، فكل شيء يذهب نحو الأسوأ، وهو بمثابة حصن بالنسبة لي.  فلو كان لدي مشهد مهم عليّ أداؤه لا أعلم هل ما زال بإمكاني ذلك. لم أدرس التمثيل لهذا لا أعرف شيئاً عنه. لكني أعرف مشاعري”.
لدى لورين أربعة أحفاد وتصفهم بأنهم أجمل ما عرفت في حياتها. فهل تجعلهم يتفرجون أفلامها؟، تقول: “لا أريد أنْ أفرض عليهم أشياءً ليست من اهتمامهم”. يضحك ادوارد قائلاً: “لقد شاهدوا آخر أفلام جدتهم، أنا متأكد”. ويقصد فيلم (الحياة المقبلة). وأكدت لورين: “نعم مرتين”. وعندما سألتها هل أعجبهم؟ أجابت: “نعم، ابنة ادوارد الكبيرة (14 عاماً) شاهدته بمفردها في غرفتها، وخرجت والدموع بعينيها”، وأشار ادوارد إلى أنه: “لم أرَّ ابنتي مطلقاً متأثرة جداً بفيلم. وشعرت حينها إنْ كـــــــان هــذا الفيلم لامس شعـور فتــاة بعمـــر 
الـ 14 عاماً، إذاً ربما سيتفاعل العالم بأسره معه ايضاً”.
عن صحيفة الاندبندنت البريطانيَّة