التفسيرات البصريَّة للأساطير.. أحداثٌ خارقة للآلهة والأبطال

فلكلور 2021/02/17
...

 ترجمة: عادل العامل 
كانت مجتمعات الزمن الغابر في جميع أنحاء العالم تبتكر، في غياب المعلومات العلميَّة، أساطير خلق، وأساطير انبعاث، وأنظمة معقدة لكائنات فوق طبيعيَّة، لكل منها قوى معينة، وقصص تدور حول أفعالها. ونظراً لكون الناس آنذاك في الغالب منعزلين بعضهم عن بعض، فإن معظم الأساطير نشأت على نحوٍ مستقل، غير أننا نجد الأساطير المتنوعة متماثلة بصورة مدهشة، خاصةً أساطير الخلق.
وهكذا فإنَّ الحاجة إلى الأسطورة حاجة عالميَّة أو شاملة. وبمرور الزمن، ستصبح رواية واحدة لأسطورة من الأساطير المعيار المقبول الذي انحدر إلى أجيالٍ لاحقة، أولاً من خلال القص (story – telling)، ثم وُضِع ذلك في شكلٍ مكتوب، بعد زمن طويل. وكان من المحتم أنْ تصبح الأساطير جزءاً من أنظمة الدين، وتم دمجها بالشعائر والاحتفالات الدينيَّة التي كانت تتضمن الموسيقى والرقص والسحر.
والوظيفة الثانية للأسطورة هي تبرير نظام اجتماعي قائم وتفسير طقوسه وتقاليده. وإحدى القواعد الثابتة للميثيولوجيا، أو علم الأساطير، إنَّ كل ما يحدث بين الآلهة يعكس الأحداث على الأرض. وبهذه الطريقة، أصبحت أحداثٌ كالغزوات والتغيرات الاجتماعيَّة الأساسيَّة مدمجةً في الأساطير. كما أنَّ بعض الأساطير، خاصةً تلك التي من الأغريق ــ الرومان وفترات القرون الوسطى، تقوم بدور إيضاح المبادئ الأخلاقيَّة بالأمثلة، وبشكلٍ متكرر، من خلال الأعمال البطوليَّة التي يقوم بها البشر الفانون (mortals).
غير أنَّ ما يهمنا أكثر هنا التفسيرات البصريَّة للأساطير التي قدمها لنا الفنانون عبر الزمن. والكثير من الأساطير قصصٌ مُلزمة تحول إليها الفنانون مرةً بعد أخرى، معيدين تفسيرها من موقع الأفضليَّة في تجربتهم وتصوّرهم الخاص. والتصوير الذي يقدمه الفنان يوفر صورةً ذهنيَّة ملموسة للأسطورة أو الشخصيَّة الأسطوريَّة، كما في صورة رسام الآنتيمينات (Antimenes 1) لأثينا وهي تقابل هيراكليس مع مركبتها. وفي بعض الأمثلة، كما هي الحال مع الناب التذكاري من بينين (2)، يمكن لعملٍ فني أنْ يجر إلى قصة. وفي الوقت الذي نجد فيه بعض التمثيلات أو التصويرات، كتمثال ذوذ (Thoth 3) المصري، يمليها التقليد المتوارَث إلى درجة كبيرة، فإنَّ هناك تمثيلات أخرى، مثل لوحة موريس دينيس لأورفيوس وإيوريديس (4)، وبصرف النظر عن سبب وكيفية إبداعها، فإنَّ كل صورة تُسهم وتضيف بعداً إلى فهمنا أو تفسيرنا لتلك الأسطورة.
ويمثّل الكثير من الصور في هذه المجموعة أساطير تشرح ممارسةً، أو اعتقاداً، أو عُرفاً، أو ظاهرةً طبيعيَّة. فتشير أشياء مثل تاج ملك اليوروبا (5)، وزخرفة الأثاث الروماني، والتصاميم التجريديَّة على رداء لاكوتا، إلى قصص من قصص الخلق. فغطاء رأس الظبي الباماني يرمز إلى شي وارا (Chi Wara)، الذي علَّم شعب بامانا كيف يزرعون، والخنزير المنقوش على عمود يستحضر قصةً عن المجتمع الميلانيسي في نيو إيرلاند (إيرلندا الجديدة).
إنَّ أساطير الأبطال، وحكايات المغامرة المليئة بالمخلوقات الخياليَّة والأعمال البطوليَّة فوق البشريَّة، ممثلةٌ أيضاً في هذه المجموعة. وتقدم القصص المروية من خلال صور إيزيس (6)، ذيسيَس (7)، وسانت كاثرين الاسكندرانيَّة، مثلاً، صفاً عريضاً من الأعمال البطوليَّة المنجزة عن طريق السحر الذكي، والقوة البدنيَّة، والإيمان المتَّسم بالورع.
وهناك القليل من الصور التي تمثل أحداثاً وأشخاصاً حقيقيين. وتدعى هذه بالخرافات (legends)، تمييزاً لها عن الأساطير (myths)، الخياليَّة. فعلى سبيل المثال، تستند قصة نبوخذ نُصَّر على حياة حاكم للإمبراطوريَّة البابليَّة القديمة، وتقوم القصة المعاد سردها على الناب المنقوش من بينين على أحداث وشخصيات حقيقيَّة. 
ولكننا نجد، في كل حالة، أنَّ حيوات الشخصيات الرئيسة مزيَّنةٌ بإضافات خيالية (fictional) أو مفترضة. ولم يكن هدف الخرافة توفير تسجيل دقيق لحياة الفرد، وإنما لتصويرها كمثالٍ على السلوك الفاضل أو الشرير ــ بعواقب مناسبة ــ من أجل مضاهاتها أو تحاشيها. أما في الخرافات المتعلقة بالقديسين المسيحيين، فكانت الحقائق التاريخيَّة تُعدَّل حسب الحاجة، ويجري التأكيد فيها على الحوادث الإعجازيَّة أو الاستثنائيَّة. وتشكل الخرافة المتعلقة بهيربرت هُوفر (8) حالة خاصة، لأنه كان ما يزال حياً عندما ابتُدِعَت له عن وعيٍ لتعزيز وضعه الجديد كرئيس.
وهكذا، وكما يشير إليه خصب الأساطير الممثلة هنا، فإنَّ الأسطورة والبهتان ليسا مترادفين. فما هو حقيقةٌ بالنسبة لإنسان قد يكون خيالاً بالنسبة لآخر؛ وعلى كل حال، فليس لأيٍّ منا الحكم بأنَّ ميثيولوجيا مجموعة من البشر هي أكثر أو أقل فاعليَّةً من غيرها. فالأسطورة قوة إيجابيَّة توحّد ثقافات كثيرة أكثر من أنْ تفرّقها.
ويمكن القول إنَّ الأساطير تزود الناس، على امتداد العالم، بتفسيرات، وتواريخ، ونماذج أدوار، وتسلية، وأمور أُخرى كثيرة تمكِّنهم من توجيه أفعالهم وفهم المحيط الذي يعيشون فيه.
 
إشارات المترجم: 
* رسام الآنتيمينات: رسام أغريقي قديم عُرف برسمه أشكالاً بالحبر الأسود.
* أثينا: إلهة الحكمة والفنون والصنائع النسوية عن الأغريق.
* هيرَكليز: بطل جبار من أبطال الميثيولوجيا الأغريقيَّة. 
* بينين: دولة أفريقية تقع في غرب أفريقيا، وكانت تدعى داهومي.
* ذوذ، أو تحوت: إله الحكمة والسحر في الميثيولوجيا المصريَّة.
* أورفيوس: بطل وموسيقي ذراسي في الميثيولوجيا الأغريقية كان قادراً، كما يقال، على سحر الأشجار والوحوش بألحان قيثارته وإيوريديس: زوجته.
* يوروبا: قبيلة كانت لها مملكة تسيطر على غرب أفريقيا في القرن الثامن عشر. 
* إيزيس: إلهة الأمومة والخصب لدى المصريين القدماء.
* ذيسْيَس: بطل الأثينيين وملكهم.
* بهيربرت هُوفر: الرئيس الحادي والثلاثون للولايات المتحدة الأميركية في الفترة (1029 ـ 1933)