محمد شريف أبو ميسم
لبعض الجهات الرقابية حق في احالة الموظف على القضاء، حين تثبت عليه حالة الاستغلال للوظيفة العامة أو الاضرار بالمال العام، أو التقصير، أوالتعمّد في التقصير خلال اداء عمله، ولها الحق أيضا في استدعاء أي موظف بما يخدم التحقيق في أية قضية، وأحيانا ارسال قوة أمنية لالقاء القبض عليه بوصفه متهما، خشية أن يهرب من وجه العدالة.
وللرؤساء في العمل ومنهم من بدرجة مدير عام فما فوق، الحق في معاقبة أي موظف أو نقله أو حرمانه من حقوقه، ما لم ينفذ الأوامر وان كانت شفوية، اعتمادا على امتيازات وصلاحيات صاحب المنصب، فضلا عن تحالفاته مع القوى النافذة، بينما يتمتع المتملقون وماسحو الأكتاف بالامتيازات والمناصب والحصانة من كل ضرر اداري، بناء على ولائهم لصاحب المنصب وتحالفاتهم مع المعقبين وذوي النفوذ من خارج المؤسسات، وويل لكل موظف يتصدى لهؤلاء، فقد ينتهي به الحال ليكون متهما أو موظفا مهمشا بأفضل الأحول، لا تشفع له امكانياته ولا طاقته ولا نزاهته.
وللمواطن الباحث عن الخدمة في المؤسسات الحكومية الخدمية، خصوصا منها ذات الصلة بالخدمات المالية، الحق في اتهام الموظف بالبيروقراطية وربما الابتزاز والفساد، ما لم يسّهل الاجراءات والتي عادة ما تنتهي بالموظف الى قفص الاتهام في المحاكم والجهات الرقابية، بفعل استغلال هذا التسهيل من قبل المتملقين وماسحي الأكتاف والنفعيين الذين يحفون بمكتب السلطان مديرا كان أم سواه، فيعيش الموظف حالة رعب جراء منظر زملائه وهم في مواضع الاتهام خلف القضبان (بسبب غفلة أو تساهل مع الناس أو رغبة في كسر عرى البيروقراطية والروتين)، لا يرحمهم قائل ولا يصدقهم مستمع انهم ابرياء، والنساء منهم تنهار أسرهن، ويلحق بأزواجهن وأولادهن العار، وربما ينتهي ببعضهن الحال الى الطلاق قبل أن تثبت براءتهن، وخيرهن من تنتهي الى العزلة والعنوسة، من دون أن تكون سببا في هلاك أحد والديها غيضا على حال ابنتهم وسمعتها. وعادة ما يفضي مثل هذا الرعب الذي يمكن أن نطلق عليه مسمى "فوبيا الوظيفة" الى مزيد من التعقيد في أداء كل الموظفين (طبقا للتعليمات والضوابط والآليات والقوانين النافذة وسواها من الصلاحيات البيروقراطية) ولا رحمة لكل مواطن على أثر كل حادثة تتعرض لها ملاكات تلك المؤسسات، وكل هذا ليس نسجا من الخيال، بل هو واقع تكرر منذ أكثر من عشر سنوات في مؤسسات الدولة الخدمية وتحديدا منها المؤسسات ذات الصلة بالخدمات المالية. وانتهى الحال في تلك المؤسسات الى مزيد من التعقيد في الخدمات التي تقدمها، بالرغم من كل محاولات تسهيل وتبسيط الاجراءات وادخال التقانات في العمل بهدف اختزال حلقات الترهل وتقليل الروتين والبيروقراطية في الأداء.