لم تكن الزيارة التي قام بها قداسة البابا فرنسيس إلى العراق مجرد زيارة عابرة لأعلى سلطة روحية للكنيسة الكاثوليكية، بل كانت، كما عبّر عنها، بأنها رحلة حج تتلمس السير على خطى أبي الديانات السماوية إبراهيم الخليل، وكانت أيضاً رحلة غاصت في التاريخ لتجلب منه المعاني الروحية التي قامت عليها الأديان، وسافرت نحو المستقبل لترسم منهاجاً تكاملياً ينقذ البشرية من التوحش الذي ابتلعها.
قيمة الحدث الأبرز تجلت في اللقاء الذي جمع قداسته بسماحة المرجع الأعلى السيد علي السيستاني.
فخطوات البابا التي سارت في أزقة النجف المجاورة لضريح الإمام علي، وصولا إلى بيت المرجع الأعلى كانت تحمل معها الكثير من الآمال والاحتمالات مثل غيوم تترقبها صحراء
قاحلة.
سار البابا في الزقاق المؤدي لبيت السيد المرجع وهو يكتب تاريخاً في معنى التسامح، الذي كان غيابه سبباً من أسباب تشوه اللوحة العراقية التي تفتقد اليوم للكثير من ألوان البهجة.
وكان منظر التوديع بالأيدي المتشابكة للزعيمين الروحيين، اللذين يتبعهما قرابة 3 مليارات إنسان وكأنه يصنع قارب نجاة للمتعبين من طوفانات الكراهية والقتل والتهجير والظلم.
كنت أفكر وأترقب ما سيقوله قداسة البابا عن لقائه السيد المرجع.
وكنت أظن أنه سيترك الحديث عنه الآن ليكتبه في مذكراته.
لكن قداسته كان كريما معنا حين تكلم إلى الصحفيين في طائرته المعلقة بين الأرض والسماء عن هذا اللقاء، الذي وصفه بأنه رحلة حج روحية تكللت بلقاء زعيم حكيم متواضع يبالغ في احترام ضيوفه، ويحمل في روحه نوراً.
في تراتبية الألقاب الدينية في الحوزة العلمية لدينا لقب آية الله، لكن قداسة البابا بانذهاله الروحي أضاف لها لقب (رجل الله)، حين وصف السيد المرجع به، لقب لن يحظى به سوى سماحة المرجع الأعلى، لقب يليق به وبسيرته المواظبة على النصاعة وحمل هموم الفقراء والمتعبين.
محظوظون نحن جدا أننا كنا شهوداً على هذا اللقاء، الذي كان في محضر علي بن أبي طالب، وكأن الأقدار تأبى إلّا أن يكون لقاء التسامح بشهادة وتوقيع من قال «الناس صنفان،إما أخ لك في الدين، أو نظير لك في
الخلق».