واشنطن تعيد ترتيب أولوياتها في المنطقة

آراء 2021/03/16
...

 ستيفن كوك  ترجمة وإعداد: أنيس الصفار
 
تعيد ادارة الرئيس «جو بايدن» ترتيب أوراقها في منطقة الشرق الأوسط، وهناك دلائل واضحة على أن فريقه يحاول تفادي الانجرار الى المحاور المألوفة، العرب، الاسرائيليون، الاتراك، الكرد، الإيرانيون.. الخ. على غرار ذلك أعاد مجلس الأمن القومي تنسيق رؤيته، فقلّص حجم مديرية الشرق الأدنى ولم تعد الوكالات التنفيذية الأميركية تستأجر أعداد العاملين القادمين نفسها من الشرق الأوسط، كما كانت تفعل الادارات السابقة.

كل هذه التغييرات أخذت مجراها على خلفية نقاشات لا تهدأ في السياسة الخارجية تناولت «المنافسة بين القوى الكبرى» ومسألة الصين. لقد كانت الفترة 2001 الى 2020 هي الفترة الذهبية لمحللي الشرق الأوسط، أما الان فمن الواضح أن واشنطن قد دخلت عصر الشأن الصيني، وهذا حسن، لأن الشرق الأوسط استنزف من صناع القرار ما استنزفه من وقت واهتمام، وموارد أهدر معظمها في ملاحقة اهداف لا واقعية جرياً وراء سياسات لم تدرس دراسة وافية، كل ذلك كان له ثمن، وهو حرف الاهتمام عن شؤون اخرى مهمة مثل تداعيات الطموح الصيني وعودة روسيا الى المسرح الدولي واستقرار أوروبا وآثار التغيرات المناخية.
في الوقت نفسه كان من السهل الوقوع في المبالغة، إذ لم يكد يمر شهر او اكثر قليلاً حتى أمر الرئيس بايدن بتوجيه ضربات جوية في المنطقة الى حلفاء إيران في سوريا، رداً على استهدافهم قاعدة عراقية في كردستان تتواجد فيها قوات اميركية، في حين يقلل الداعون الى انسحاب الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، او خفض قواتها هناك أو اعادة التموضع، من مخاطر هذا النهج. لم يعد هنالك شك في ان سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط بحاجة لتطوير نفسها، لأن شؤوناً كثيرة في المنطقة، لم تعد شديدة الالحاح كما كانت في الماضي، ودولا لم تعد لها الاهمية ذاتها. جانب مهم من تحدي صياغة نهج جديد للمنطقة يتمثل في تحديد «من» و»ما» هو المهم بالنسبة للولايات المتحدة.
لهذا السبب سوف «تبقى» دول داخل دائرة اهتمام ادرة بايدن، وأخرى ستتراجع في سلم الاهتمام.
السعودية: سوف تبقى «داخل» دائرة الاهتمام، ولكنه اهتمام معظمه في جانب الخلاف. فخلال حملته الرئاسية تحدث بايدن عن السعودية بعبارات شديدة. اغتيال الصحفي جمال خاشقجي والتدخل السعودي في اليمن، وكذلك حصار قطر وسوء معاملة الناشطين السعوديين، كانت كلها من اسباب تشدد واشنطن تجاه السعودية. حيث اعلن البيت الابيض أنه لن يجري محادثات مع ولي العهد محمد بن سلمان، كما خفض مستويات إمداد الجيش السعودي بالسلاح وكشف عن تقرير استخباري يتعلق بجريمة مقتل خاشقجي. مع هذا تبقى السعودية وسيطاً مهماً في الحوار مع العالم العربي، وربما حتى مع إيران إذا ما اراد بايدن عقد صفقة جديدة أو أمل في تخفيف معاناة اليمن ووضع نهاية للصراع.
إيران ايضاً ستبقى «داخل» الدائرة التي كانت فيها منذ العام 1979 على الأقل. فإدارة بايدن تعتقد أن الدبلوماسية هي افضل الطرق لتقييد مساعي إيران النووية، لاسيما بعد ان اخفقت «العقوبات القصوى». الرأي السائد في واشنطن الان هو ان برنامج إيران النووي قد تقدم الى حدود أبعد مما كان سيصل اليه لو ان الرئيس السابق «دونالد ترامب» قد أبقى على اتفاقية 2015. يكثر النقاش ايضاً بشأن التوسع في الصفقة لجعلها تشمل نهج إيران في المنطقة وترسانتها الصاروخية ايضاً. سواء استجابت إيران أم لم تستجب فإنها باقية في بؤرة الاهتمام لسنوات مقبلة.
اسرائيل باقية هي الأخرى، والسبب هو انها اسرائيل. فسياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ترتكز الى حد بعيد ومنذ أمد طويل على ضمان أمن اسرائيل. العلاقة بين الدولتين وثيقة لأسباب كثيرة، ورغم التساؤلات التي يثيرها المحللون والناشطون وبعض السياسيين تبقى اسرائيل لاعباً مهماً في نظر الولايات المتحدة.
الامارات العربية المتحدة باقية ايضاً ضمن الدائرة، ولكن على نحو مختلف عن السعودية، لأن الإمارات حرصت على النأي بنفسها عن سياسة ولي العهد السعودي في اكثر من ميدان. فبعد ان ادركت ابو ظبي ان حرب اليمن مشروع خاسر سحبت قواتها من هناك، ولم تظهر بموقف الدفاع عن السعوديين في واشنطن او اي مكان آخر. الشأن الأكثر اهمية كان ما سمي «اتفاقات ابراهام» التي منحت الإماراتيين موقعاً افضل، كما انهم سيكونون شركاء أمنيين مهمين للولايات المتحدة حين يجلس فريق بايدن للتحدث مع الإيرانيين.
مصر ستخرج. قد يكون الخروج مناسباً للمصريين لأنه سيتيح لبعض المثقفين والمسؤولين من طبقة النخبة ان يسترسلوا في تصوراتهم بشأن نوايا الولايات المتحدة على تحطيم مصر، بيد ان المصريين الأكثر فهماً وجدية يعنيهم البقاء على شاشة رادار وشنطن خلال مناورتهم الاتراك في ليبيا وتركيز جهدهم على التنمية الاقتصادية ومحاولتهم العثور على سبيل لمواجهة تحدي سد النهضة الاثيوبي والموازنة بين علاقاتهم مع واشنطن وموسكو وبكين. 
تركيا ستخرج ايضاً. في الماضي كان لتركيا اصدقاء كثر في واشنطن اما الان فإنهم قليلون. تحركات ادارة بايدن الأولية تشي بأن انقرة لن تنال إيماءة التغاضي من المكتب البيضاوي، وقد خاطب المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية تركيا حول جملة من القضايا التي تعتبرها واشنطن انتهاكات مرفوضة. رغم هذا وسواه تبقى تركيا حليفاً ضمن حلف الناتو، لذلك من غير الواضح حتى متى ستبقى خارج الدائرة.
بالنسبة للاخرين فإن العراق يرجح له البقاء خارج الدائرة، رغم المكالمة الهاتفية بين بايدن ورئيس الوزراء العراقي، فواشنطن قد أتعبتها مشكلة العراق، كما ان العراقيين انفسهم يبدون راغبين في تجنب جعل بلدهم ساحة صراع بين الولايات المتحدة وإيران، لذلك قد يفضلون البقاء خارجاً، وكذلك سوريا. اما السلطة الوطنية الفلسطينية فإنها باقية، ومثلها قطر.
الأمور قابلة للتغير طبعاً والمفاجآت يمكن ان تقع، وافضل الخطط قابلة للخروج عن مسارها. لذا قد يثبت للولايات المتحدة انها لا تستطيع خفض حضورها في الشرق الأوسط، واذا ما حدثت ازمة ما قد تجد واشنطن ان حتى تلك الدول التي أرادتها خارج الدائرة عادت مطلوبة بشدّة داخلها.  
 
عن مجلة «فورن بولسي»