لم يعد سرا القول إن الاقتصاد العراقي يفتقر الى التوازن البرامجي المفترض لأي اقتصاد، كما يخلو من البرمجة الاستشرافية المستقبلية التي يتوازن فيها الحاضر المعيش مع المستقبل المنظور، فمن جهة بقي اقتصادا ريعيا طيلة عمر الدولة العراقية الحديثة والى الان، ولم تتوفر أية نية من أية حكومة من الحكومات المتعاقبة لكسر طوق الريعية او التخفيف عنه رغم وجود الامكانات الاقتصادية والبشرية المتاحة، والامر يحتاج الى نية صادقة وبرمجة الموارد الاخرى في التخفيف من احتكار النفط كالزراعة والصناعة والسياحة، فلم يحدث هذا للأسف عكس دول النفط الريعية الاخرى من التي فتحت المجال لتنويع اقتصاداتها فضلا عن تسهيل ورود الاستثمارات الى اراضيها، اما العراق فقد بقي النفط اسهل وسيلة اقتصادية ريعية تدر الاموال الجاهزة ولايكلف الامر سوى استخراج النفط الخام وتصديره مادام متوفرا بكميات كبيرة أهّلته ليكون ضمن الدول المتقدمة في احتياطي ومصدري النفط، وقد تناسى مهندسو الاقتصاد العراقي المستقبلَ الاقتصادي للأجيال المقبلة وحقها في خيرات الوطن واعتكفوا على تمشية الامور الاقتصادية للأجيال الراهنة فقط من دون تأمين مستقبلها ببرمجة التعاطي مع الثروات الوطنية فالحق مشترك لجميع الاجيال، علما ان النفط ليس موردا معمّرا كي تتبرمج اقتصادات الدول بموجبه الى ما لانهاية فالمعدل الافتراضي للنفط في عموم المنطقة هو بالكثير (80 سنة) هذا في حال استمرار الطلب العالمي بمستويات تجارية عليه ولم تتوفر بدائل اخرى عن النفط اكثر نظافة واقل تكلفة واكثر صديقة للبيئة كالرياح والغاز والطاقة الشمسية، وكان يجب على مبرمجي الاقتصاد العراقي ان يضعوا لبنة اولى لتأسيس (صندوق سيادي نفطي) يسهم في ضمان حق جميع الاجيال من ثروات العراق كما معمول في اغلب الدول النفطية.
وكان يفترض برمجة الاقتصاد العراقي في التحول التدريجي الى اقتصاد السوق، وهذا ماغفل عنه مهندسو الاقتصاد العراقي ايضا كبرنامج اصلاحي لا بد منه لانتشال الاقتصاد العراقي من الافلاس بعد ان نزل الخط البياني لأسعار النفط الى مستويات مرعبة توجب ذلك التحول ولو ببطء، وسيكون هذا التحول الى اقتصاد السوق مع تنشيط القطاع الخاص او المختلط مفتاحا الى الاصلاح الاقتصادي المؤمل للعبور نحو بر الامان شرط فسح المجال امام القطاعات الاقتصادية الاخرى لتلعب دورها الحقيقي في برمجة الاقتصاد العراقي ليس بعيدا مع النفط بل
موازٍ له.