في قاموس مفردات الحياة اليومية، لا توجد مفردة أمرّ من مفردة (الفقر). ولا وصف أوجع من وصف الذين طالهم الفقر، ولا مشهد يومي يُدمي الضمائر، والقلوب النبيلة، مثلما هو مشهد الفقراء في عيشهم وسكنهم وملبسهم وصحتهم. ولكون مفردة الفقر بالأساس تُشير إلى البؤس، لذا فإنها أصبحت تُضاف إلى مُضافات إليه، في تلميح صريح يوضّح تدهور هذه المضافات إليه، كأن نقول: فقر الثقافة، فقر المنطق، فقر الدراسة، فقر المنهج،... الخ. أو حتى بالتوصيف: ثقافة فقيرة، دراسة فقيرة، مناهج فقيرة، جلسة برلمانية فقيرة، ...الخ. وعن الفقر، كان الاعتقاد سائداً كما جاء في دراسات عدّة خلال القرن التاسع عشر، بأنَّ سببه يعود إلى كسل الإنسان نفسه وعدم رغبته بالعمل. وقد أيقن المفكرون في ذلك الوقت بأنَّ الإجراءات المتخذة لمحو الفقر من المجتمع لها نتائج سلبية وخطيرة إذ إنها تُشجّع الكسل وعدم الرغبة في العمل نتيجة المساعدات المالية التي كانت تُقدمها الكنيسة للأشخاص الفقراء. كما أنَّ مفكرين اعتقدوا، بأنَّ من المستحيل إلغاء الفقر والقضاء على المشاكل التي يسببها للمجتمع، لأنَّ من المستحيل – كما جاء في معجم علم الاجتماع - توزيع الدخل القومي توزيعاً متساوياً بين الأفراد طالما أنَّ هناك اختلافات بينهم في الحِرَف والأعمال والمواهب الإدراكية والذكائية والقابليات الجسمانية.
إنَّ الباحثين الاقتصاديين وبعد دراسات مستفيضة أوجدوا اصطلاحات لتحديد مستويات الفقر بخطوط، مثل: مستوى خط الفقر، فوق خط الفقر، تحت خط الفقر. وإنَّ كلَّ مَن لايستطيع الحصول على متطلبات الحياة الأساسية كالمواد الغذائية والملابس والسكن، فهو يعيش تحت خط الفقر، وإنَّ الخطين الآخرين يأخذان توصيفهما من هذا التحديد
بالتناسب.
لقد وضع الباحثون مقترحات حلول، إلا أنها لم ترقَ إلى مستوى الحلول الناجعة، كون طوق الفكر الرأسمالي يُقيّد توجهاتهم، على النقيض من الفكر الاشتراكي الذي يأخذ بحسابه مبادئ العدالة في توزيع الثروة على أسس علمية إنسانية متماهية مع الفكرة الجوهرية “من كلٍّ حسب طاقته، ولكلٍّ حسب حاجته”. وكل ذلك يحصل كون الإنسان أثمن رأسمال في جوهر هذا الفكر، إلا أن الرأسمالية ببريقها التكنولوجي المُغري سعت جاهدة لتطويق المسار الاشتراكي في منابعه من خلال افتعال أزمات متنوعة: حروب، حصارات، تكتلات اقتصادية وسياسية، تفكيك دول، خصخصة. ومثل هذا الافتعال يحصل حذراً من انهيارها الحتمي الذي تنبأ به الفكر الاشتراكي، وأقرب دليل على ذلك أزمة المصارف في أميركا التي عولجت بالحل
الماركسي.
إنَّ مناسبة هذه الإشارة، ما تنشره الأمم المتحدة من تقارير عن الفقر وخطوطه في بعض الدول، ومن المؤسف أن يكون بلدنا العزيز من بينها، في الوقت الذي نملك فيه ما يُزيح كل الخطوط إلى
الأعلى ...