لحظة عقل

آراء 2021/03/31
...

  د. كريم شغيدل 
واهم من يعتقد أن الأمم تنهض بقوة السلاح، وأن البلدان تبنى بالعنف، وأن الحضارة تنمو تحت ظلال القاذفات والمفخخات، وأن العقائد تهيمن بقوة الترهيب، أوروبا التي عاشت وعانت الحروب والصراعات الدينية على مدى عقود، نهضت بثورة العقل، والتمركز حول العقل من خلال حركة الحداثة، بمنطلقاتها الفلسفية وتمثلاتها الحضارية والثقافية والفكرية والاقتصادية والاجتماعية، خذوا على سبيل المثال اليابان أو ألمانيا أو إيطاليا، ما الذي عانته خلال الحروب، وكيف تعيش الآن، خذوا دول أوروبا الشرقية ما الذي فعلته بها الحروب الأهلية، خذوا لبنان، سوريا، ليبيا، الصومال وغيرها من الدول التي تغلغلت في مفاصلها الفصائل المسلحة، ثم نأتي على عراقنا الذي بالكاد تخلص من براثن التسلط والاستبداد، ودفع من جراء الحروب أثماناً باهظة من دماء أبنائه.
النظم الاستبدادية، ملكية كانت أم جمهورية، قد تبني بلداناً، وقد تهدم ذلك البناء بين ليلة وضحاها، وقد تنجح في توفير الأمن المجتمعي والتنمية الاقتصادية ونوعاً ما منح بعض الحريات، لكنها على الأغلب تنجز ما تنجزه على حساب فئات مهمشة ومقصية من أبناء البلد الواحد، وقد تحقق هيمنتها وسطوتها بقوة الترهيب والترغيب، وقد تفشل النظم الديمقراطية بتحقيق العدالة واستتباب أمن المجتمع، فالحرية لا تمنح لمن لا يستحقها ويعرف قدرها، إنما لمن يحب الحياة ويسعى للعيش فيها بأمان، لمن يؤمن بأن الإنسان خليفة الله على الأرض، يعمرها وينشر العدل فيها ويعزز قيم الإنسانية والعدل، فالإنسان قيمة عليا، ولا يحق لأي دين أو مذهب أو ايديولوجيا أن تبيح قتله، والحياة قيمة عليا، ليس لكائن من يكون أن يصادرها ويخربها ويحولها إلى نفق مظلم من الخوف، ومستنقع من الدماء.
أظننا نحتاج اليوم إلى صحوة ضمير، لا إلى شعارات رنانة تجيش مشاعر البسطاء من عامة الناس، وتحرض على القتل، ولا تمتلك سوى لغة التهديد والوعيد، نحتاج إلى حوار إنساني، إلى لحظة تاريخية تعيد إنتاج فكرة الوطن الأم، فالوطن ليس ضيعة يدعي بها من يشاء، ويتحكم بمقدراته من يشاء، نحتاج إلى لحظة عقل لدحر كل المشاريع الظلامية المشبوهة التي تعيق بناء الوطن.