الحرب الصّامتة

آراء 2021/04/01
...

  د.نازك بدير *
 لعلّ قراءة سريعة لتاريخ الشّعوب وأزماتها تبيّن فرادة الحقبة المصيريّة التي يمرّ بها لبنان، فهي من حيث تشابكها وتعقيداتها تكاد لا تشبه أيًّا من المحطّات السّابقة، لذا، يصعب القياس عليها، أو التّكهّن بما سيكون إليه مآلها.
 يومًا بعد يوم يشتدّ الخناق على المواطن من مختلف الجهات، تحاصره الأزمات الصّحيّة، فضلًا عن تدهور الأوضاع الاقتصاديّة، وانسداد الأفق في ما يتعلّق بتشكيل الحكومة، وما يترتب عليها من تبعات. فيجد المرء نفسه في صراع حقيقيّ لتأمين قوت يومه، بينما في الأصل، ليست الغاية هي الكدح لسدّ الجوع، إنّما ثمّة غايات وأهداف أسمى يناضل الإنسان في سعيه للوصول إليها. لكن، في دولة لا يُحترَم فيها المواطن، ولا تُصان أبسط حقوقه، ويتعرّض إلى الذّلّ ليحصل على الأوكسجين، يحقّ له أن يسأل: ما الذي تبقّى من هذا الوطن كي يضحّي من أجله؟ وما الذي يدفعه إلى البقاء فيه؟ "وطن المرء ليس مكان ولادته، ولكنّه المكان الذي تنتهي فيه كلّ محاولاته للهروب" على حدّ قول نجيب محفوظ. 
ما يحصل اليوم في لبنان من حرب صامتة على الشّعب، يدفع إلى الهرب خارج هذا المستنقع الذي بات العيشُ فيه أشبه بالمستحيل، وكأنّ كلّ لحظة هي بمثابة تحدّ جديد، واستنزاف لما تبقّى في الدّاخل من عزيمة، لا بل إنّه محاولة لكسر كرامة المواطن وإذلاله، تارة ليتحصّل على سلعة مدعومة، وتارة أخرى خلال الانتظار ساعات في الطّوابير على محطّات الوقود أو لإجراء معاينة ميكانيكيّة ولا يعرف أين تذهب تلك الرسوم، بل جلّ ما يعلمه أنّ الدّينَ العامّ الذي يفوق المئة مليار دولار سبُبه جشع السّلطات المتعاقبة.
 الدّولة هنا تخوض الحرب ضدّ مواطنيها، نعم، تُجهِز عليهم بأسلحتها، تضيّق المسد على رقابهم، من خلال حرمانهم حقوقهم، و"سجن أموالهم"، وتعميم الجهل، وسياسة التخويف. لا قانون يحكم، إنّما مجموعة مستأسدين، يفتكون بلحم أهلهم وإخوتهم.
 لعلّ حال المواطن اللبناني يشبه حال النّبي يوسف الذي رُمي في البئر من قِبل إخوته، تمامًا كما يفعل السّاسة اليوم، ألقَوا الشّعب في بئر سحيقة، وعلاوة على ذلك، يوصدون بابها بالحديد، ليضمنوا موتنا، ونحن على قيد الحياة.
 
أكاديميّة لبنانيّة