رزاق عداي
لا شك أن الصين استشعرت بذكاء قوي ان أميركا اليوم هي في حالة تراجع قوتها على المسرح العالمي، فأقدمت على تحقيق خطوة ستراتيجية بالغة الاهمية في تعاقدها مع ايران على مجموعة اتفاقيات طويلة المدى،
وبذلك تكون قد وجهت الى الولايات المتحدة الاميركية ضربة عنيفة، باعتراف الرئيس الاميركي (جو بايدن) عن طريق الاعلام، الاتفاقيات تنص على ان تستثمر الصين في الاقتصاد الايراني ما قيمته 400 مليار دولار على مدى 25 عاما في شتى المجالات، مع تأمين كمية من النفط الخام الايراني خلال هذه الفترة، مع التوسع في ميزان التبادل التجاري بين البلدين، ويبدو ان البلدين سارعا الى اصطياد اللحظة التاريخية المناسبة لتشكيل كتلة اسيوية اقتصادية مهمة وقوية في مواجهة تحالفات أميركا.
الصين اخترقت العمق الجغرافي الاسيوي لضمان مصالحها من منطقة تنطوي على أهمية جيوسياسية، وأمنت حاجاتها من الطاقة اولا على المدى الطويل، كما انها تغلغت استثماريا في الاقتصاد الايراني، وستوفر لها هذه الخطوة فرصة مستقبلية في استثمارات أبعد على شواطئ الخليج العربي، والتي كانت تتطلع اليها بلهفة منذ ازمان بعيدة لاستكمال مقومات طريق الحرير، المشروع الجدلي القديم الذي يؤمن لها تجارة دولية تمر من غرب اسيا حتى شواطئ البحر الابيض المتوسط، وصولا الى اعماق اوربا.
وقد تبدو الاتفاقية للوهلة الاولى ذات مضمون اقتصادي بحت، ولكن الحقيقة انها ذات منظور سياسي على مديين، آني لكلا البلدين لانهما يتعرضان الى عقوبات اميركية، وقد تستخدمه ايران لرفع سقف مطالبها في ما يتعلق بالملف النووي الايراني الراهن، وستراتيجي بعيد المدى، لان هناك نظرية سياسية عالمية رائجة على مستوى العلاقات الدولية لطالما لمحت أميركا اليها، واقدمت على تطبيقها عمليا ايضا، منذ ان احتلت العراق في عام 2003 كحلقة اولى، وفحوى هذه النظرية ان الهيمنة عولميا على موارد وممكنات قارة اسيا ستكون هي درجة السبق العالمي في القوة الاقتصادية والسياسية العالميين، وحتى العسكرية على مدى القرن الواحد والعشرين، فاذا ما احكمت الصين تغلغلها على شواطئ الخليج العربي باعماقة الزاخرة بالطاقة بانواعها وموقعه الجغرافي المهم دوليا، وقبل ذلك كانت روسيا قد غرزت مخالبها على سواحل البحر الابيض المتوسط عبر قواعدها العسكرية في سوريا، تكون الانشوطة قد ضاقت على رقبة اميركا، وتعرضت مصالحها للتهديد في عموم الشرق الاوسط.