الأمانة العاطفية والخيانة الاخلاقية واضطراب السلوك الانساني

آراء 2021/04/08
...

  د. سلامة الصالحي
 
 
أثبتت آخر الدراسات العلمية والاستبيانات في جامعة هارفرد الأميركية أن السعادة الحقيقة وجمالية العيش الانساني، هي ليست في توفر الاموال وسبل الرفاهية والمتعة، بل في جودة العلاقات الأنسانية وصدقها وقوتها، أي أن يكون لك من الاصدقاء الحقيقيين، ما يجعل حياتك أفضل وأسعد وأكثر جدوى، وكلمة صداقة يبدو أن جذرها اللغوي ممتد من كلمة الصدق والامانة، فكلما كان الصدق هو دماء العلاقة التي تربطك بالشريك فإن معنى وقيمة الصداقة سيكون أرقى وأفخم وأكثر معنى وجدوى مما ينعكس على ممارسات الانسان الحياتية، وعلى استقرار ومسار المجتمع ان كانت الحالة شائعة وعامة لدى الاغلبية، وليس أقرب الى المثل الشائع أن المستحيلات أربعة هي, الغول والعنقاء والخل الوفي والكلمة التي تقال، لتصبح رابع المستحيلات، اي أن الصديق المخلص هو وهم ومستحيل وجوده وهذه كارثة بالتأكيد تحل بالحياة والانسان، وفي حياتنا المعاصرة وما حلّ بها من فوضى وحروب ونزاعات ومن سهولة التواصل ونشر الاخبار، فإنها جرفت معها، كثير من الخصوصية والكتمان، وصار الشك والتشكيك اللذان هما صفات انسانية وأحد نوازع البداوة، صارت جزءا أساسيا من حياتنا، وليس استثنائيا ودخلت مثل آفة سريعة، اجتاحت حياتنا اليومية وشوهت العلاقات الانسانية، فلم يعد هناك خصوصية للفرد، وأصبحت حياتنا معروضة للبيع والكاميرات تراقب وتصور وتنشر حتى تفاصيل غرف النوم، فأصبحت كل الاشياء مكشوفة، والبيوت مشاعة للعرض والاساءة. 
ولأن العالم قد تحول الى قرية صغيرة وملعونة فأصبحت كل الأشياء في متناول الكل، وأصبحت الخصوصية منتهكة، والانسان مهدد بها، فمن السهولة صار لدى البعض التشهير وقتل المقابل أجتماعيا والاساءة اليه، من دون أن يثقل ضمير المسيء وأعز أو لوم، فمن الممكن ان يهدد من في قارة بعيدة أحد معارفه أو أقربائه في قارة اخرى، عبر فضحه في وسائل التواصل الاجتماعي التي أباحت كل شيء، وقد يحدث أن يرتبط رجل وأمراة برباط عاطفي يسوده الحب والرغبات والعاطفة المجنونة، ليكشف الناس عن بعضهم لبعض تحت ظل الحب والثقة، فتصبح هذه الثقة لعنة تلاحق أحدهم وهو يصفي حساباته، بعد ان تنتهي العلاقة لسبب من الاسباب، بالتشهير والكلام البائس وفضح المقابل والظهور بمظهر الرافض له والمحتقر للحبيب السابق، والذي يجعل من كل ماعرفه عنه مباحا وسائلا وفي متناول الاخرين عبر نشر المحادثات او التصريح بما عرفه عنه، وهذه تسمى عدم صون الامانة العاطفية، والخيانة الاخلاقية التي يبيح بها الانسان لنفسه التشهير بالاخر وطعنه في سمعته وتعريته من الفضائل، وأعتقد انها تنعكس عليه وتعطي صورة سيئة عن أخلاقه المتردية ونفسه الخائنة، فمهما كانت الطريقة، التي انتهت بها العلاقة كان من المفترض احترام ماجرى وصيانة النفس والاخر من السقوط في وحل الخيانة وغدر الامانة العاطفية التي هي من أدق وأرق العلاقات الانسانية الواجب احترامها والتغافل عن التشهير بها لأنها تمس مصير وتاريخ الانسان، خصوصا اذا كانت أنثى، ففي مجتمع شرقي ذكوري قاسي يجب أن يضع الانسان في حسابه أن هذا السلوك هو نوع من الجرائم القاتلة والتي لا يحاسب عليها القانون، ان لم يشتك الاخر تحت مظلومية التشهير وتشويه السمعة، وهنا تبرز رجولة الرجل وأخلاقه وتربيته، التي هي التي ستكون الحاسمة في موضوعة حفظ كرامة وسمعة الشريك السابق، بعد أن انتهت العلاقة العاطفية والتي قد يجعلها البعض مجزرة من الالفاظ المسيئة بقسوة يندى لها الجبين، ويقال إن للاعراض لعنة لا بد أن تلاحق من يطعنها وتظهر في أعراض أسرته، اي ان هناك توازنا كوني لا بد ان يسحب الاخر من جرف الاخر، اي كما تدين تدان مثلما هو معروف.
 فالحب الذي تبنى على اساسه العلاقات الانسانية هو أنبل وأسمى العواطف والمشاعر، التي يجب أن يحترم بها من يعطي ويمنح، لا أن  يتهدد بعد أن يكون قد وقع في الفخ، الذي يجعله ضحية وذبيحة ينال منها القاصي والداني، وكأنه انتصار بذيء للجاني وهو يمزق سمعة ومكانة حبيبه السابق، ويعرضها للتشهير في الجلسات التي يتم ذبح أعراض الغافلين فيها، والغريب انها أصبحت ثقافة مجتمعية مقززة، يتعاطاها المثقفين وغير المثقفين وتدل على انحطاط مجتمعي مريب ينبأ بكارثة نعيش تحت سقفها المتساقط فوق رؤوسنا، لأن الخائن للامانة العاطفية سيكون خائن بأشياء كثيرة، فالخيانة واحدة لاتتجزأ، وبعد ٢٠٠٣ وانهيار البلاد وقيم كثيرة، معها تكشفت لدى الناس أمور لم تكن في ثقافاتهم وسلوكهم، وصار تسقيط الاخر للاخر على قدم وساق وأتخذ الكثيرين تشويه شرف وسمعة الناس طريقة لسد نقصه وارضاء عصابيته المقيتة، التي سولت له التلفيق والقصص الغريبة التي يخلقها لنفسه ويعمل المستحيل ليصدقها الآخرون، فليس غريبا أن يجلس أحدهم ليأكل لحم أخيه في غيابه أو خروجه من المجلس، بعد لحظات ليتناول سيرته بكل ما يسيء، والغريب ان الاخرين معه يجلسون ويستمعون له بلذة ومتعة كأنهم يشربون دماء اخيهم ويثملون بها، فأصبحت اتهامات الأعراض والسلوك والأسرة على قدم وساق، من دون أن يتذكر البعض أن رمي الناس من أشد الذنوب وأصعبها، وهذا السلوك الشائن يتفشى في المجتمعات التي تغيب فيها العدالة والدين الحقيقي والتربية الصحيحة، فهي تخرج رأسها الافعواني من البيوت التي لم تحقن مثل وقيم احترام الآخر وكرامته، بل أنبتت بذور الحقد والتحاسد والضغائن و تتشفى وتستمرئ تشويه الآخر وتلويث سمعته ومكانته، لأغراض نفسية وربما سياسية، وربما أحقاد غامضة تدخل ضمن مركبات النقص وانفصام الشخصية، المجتمعات الصحية، لاترتضي الظلم والاساءة، وتجد فيها أن الأعراض مصانة ويجد الانسانة صعوبة في الحصول على من يسامره في نهش لحم الاخر
 والاساءة اليه.
الطعن والاساءة والنميمة والبهتان، تجلب الامراض والكآبة وتدخل الناس في نفق الاحزان والخراب، عكس المحبة التي تنقي الأرواح وتضيء النفوس وتستدعي العافية، فالحب والتسامح والمصالحة واحترام قيمة الاخر ووجوده وكيانه، هي التي تجعل المجتمعات قوية ومتماسكة ومصانة، وصيانة غيبة الحبيبة وحفظ أسراره هي المروءة بعينها بعد ان تكشف لنا زمنا بلا مروءة، وحتى بين الازواج اصبح التشهير بالزوج او الزوجة امرا عاديا، من دون احترام للسن والعشرة الطويلة والوضع الاجتماعي والأسرة، فصار الرجل كثير التشكي وكثير الاتهام لزوجته التي هي الاخرى قد تسلك نفس السلوك، واصبحت البيوت ليست اسرارا، بل اعلان مكشوف للجميع
... يتبع