فانوس فلسفي .. في الكذب

آراء 2021/04/08
...

 علي المرهج
 
بمناسبة شهر نيسان الذي يرتبط بذاكرة خلق الأكاذيب، ولا يوجد أصل لهذه الأسطورة تاريخياً، ولكن لتناول ظاهرة الكذب، فهل الكذب مذموم لذاته، أي لأنه كذب؟ وهل الصدق ممدوح لذاته، أي لأنه صدق؟، وفكرت في نفسي أن أكتب عن (جماليات الكذب)، وإذا بي أجد غيري قد كتب عن هذا الموضوع، الذي اعتقد أنه موضوع يستحق أن نكتب عنه بعيدا عن الخوض في طرائف الكذابين، وجماليات خلقهم للكذب اجتماعياً.
سؤال ماذا سنقول إن كان الكذاب ليس مادحاً، بل مخلص لأحد المعارضين للسلطة المستبدة؟، كأن يكون لهذا المعرض عيون للسلطة تتبعه، فيحاول أحدهم التمويه عليهم ولو دخل داره، فهل يُعد كذباً مثل هذا مكروهاً؟!.
قيل قديماً “أعذب الشعر أكذبه”، فقد يكون في جماليات الشعر خروجا عن مقدار التحقق عن معانيها في الواقع، لتبدو لنا وكأنها نوع من أنواع الكذب، ولكنها قد تحمل بين ثناياها مقاصد عدة، منها محاولة كسب الشاعر المكانة التي يعتقد أنه يستحقها في دواوين السلاطين، التي كانت هي ساحة المنافسة والمبارزة فيما بين الشعراء، وقد يصح الأمر على كثير من الفقهاء والعلماء والفلاسفة، الذين مدحوا سلطاناً ما لا لأنهم مقتنعون بحكمته وبأحقيته في الجلوس على عرش السلطة، ولكن بعضها من نوع وجوب طاعة أولي الأمر، وبعضها من نوع السعي لنيل المجد الذي يناله كل عالم أو شاعر أو فقيه صار قريباً من السلطة، حتى وإن طالته في ما بعد يد السلطة في الاقصاء أو الإبعاد، ولكنه نال الشهرة.
كل غلو في رفع شأن يحمل بين طياته تأكيداً لأهمية الكذب وجعله أداة للتصديق على قاعدة (غوبلز) “كذب، ثم كذب حتى يُصدقك الناس”.
وكم اختلف بعض الأصدقاء حول قضية شاركوا في صناعتها كذباً، فطالب بعضهم ببعض في الاحتكام للكذبة التي صنعوها من قبل!، وهذا يُذكرنا بقصة الحمار الذي دفنه صديقان وأدعيا أنه مقام لولي، وبعد أن تخاصما طلب أحدهما الحلف بهذا المقام، فأجابه صديقه “مو دافنينه سوه».
لك في صناعة الرواية ما يصنعه الراوي من بناء سردي مُتخيل، وهو في عداد “الأكاذيب” إن حاكمناه بروح العلم لا بروح الأدب التي تقبل المبالغة التي تُخرج المعنى من دلالة “المطابقة” لتجعله أكثر متعة في تقريبه من منطقة التأويل التي تكشف لك عن تعددية المعنى الذي يجعل النص أكثر ابهاراً ومتعة.
هل هناك قيمة في قول الحق إن كان يؤذي آخرين من أمثال من ذكرتهم من المعارضين لسلطة غاشمة، تريد رميهم في أوار الحرب الغاشمة مثلاً؟، فأن تحمي هارباً من حرب ليست عادلة، ومن اختار الحرب حاكم ظالم، فهل هذا يعني أنك لا تُجير هارباً
 منها؟.
ومن قال إن الحق الذي تراه أنت أو السلطة التي تندمج في الدفاع عنها أنها ناطقة في الحق؟، فقد يكون الحق الذي عندك هو كذب يراه غيرك، وهنا أنت في إنصياعك لفعل الحق أو الصدق الذي تدعي السلطة السياسية أو المجتمعية إمتلاكه، قد تكون خالفت به ضميرك الأخلاقي الذي لم يُنبيك أن ما تمارسه في حماية هكذا شخص في ما تعتقده السلطة أنه كذب، وهنا ستحضر جدلية الكذب والصدق بين السلطة وتباين النظر له عند المعارضين، وفي هكذا مضمار للصراع بين الصدق والكذب تضيع الحقيقة.
الكذب والصدق ليسا حقيقتين منطقتيين في الحياة المجتمعية، ولا أظن أن الكذب، مثلاً، في تخليص إنسان من شر قاتل يلاحقه يُعدَ أمرا مذموما، بقدر ما يُعدَ كذباً ممدوحاً لأجل القصد والغاية من
 ورائه.