شيء عن الشورى والديمقراطية

آراء 2021/04/13
...

  أ.د عامر حسن فياض 
 لا مرية في أن الاسلام كان قد استغرق معظم الاطار المعرفي للموروث الثقافي المعاش في الشرق المسلم وضمنه العراق. ومقابل الهجمة الأوروبية العسكرية - الثقافية كان لا بد للشرق المسلم من استحضار الموروث الثقافي. غير أن عملية الاستحضار هذه تمت على عجالة. فقد انشغل المستحضرون باستحضار الأصول قبل الفروع وتشعباتها وتفاصيلها الدقيقة. 
وتلك الأصول كانت قد تمثلت بالمبادئ التي جاء بها القرآن الكريم والسنة النبوية وممارسات الخلفاء الراشدين، لا سيما انها مبادئ ظلت مستقرة في الوعي الجمعي الاسلامي، أي بمعنى أدق أنها كانت سهلة الاستحضار في التصدي للغرب. وفي استجابتهم لتحدي الغرب لم يكن الاسلاميون على رأي واحد، فمنهم من رأی أن لا صلاح للاسلام الا بما صلح به اوله، ورأوا أن لا أمل في النهضة والتقدم الا بعودة مجد الاسلام ایام الرسول والخلفاء الراشدين، ومنهم من رأی ضرورة البحث عن صيغة اسلامية جديدة للنهضة مستمدة من اصول الشريعة الاسلامية وصحيح السنة. 
ومنهم من تسامح وقبل باقتباس بعض "بدع" الغرب التي لا تتعارض مع الشريعة الاسلامية.. وقد رغب المصلحون في تغيير النظام الاستبدادي الذي دافع عنه المحافظون بواسطة العودة إلى المنابع الأصلية للاسلام الشوروي. فهل تستجيب الشورى للديمقراطية لتشكل مصدرا من مصادرها؟.
الحقيقة، اذا كانت حجة وجود الشورى في الخلافة الاسلامية لا تثبت الديمقراطية السياسية بالمعنى الحديث، فإن هذا في الأزمنة الحديثة، لا يعني أن الديمقراطية السياسية تتعارض تماما مع كل مفاصل الموروث الثقافي. 
فعلى صعيد الفكر التحديثي الاسلامي نالت الحركة الدستورية ونظام الحكم التمثيلي او النيابي موافقة المصلحين المسلمين على اساس انهما ينسجمان مع المبادئ الاسلامية في الحكم. 
وعلى اساس ذلك استحضر مفكرو عصر النهضة في العالم الاسلامي جزءا من الموروث الثقافي الاسلامي ليكيفوه مع مقتضيات العصر وقيمه الحديثة، فظهرت كتابات خير الدين التونسي والطهطاوي والكواكبي وعبده ومحمد رشيد رضا والالوسي والنائيني، وكلها كانت تحاول أن تثبت مواءمة الافكار الحديثة، ومنها الديمقراطية السياسية مع روح الاسلام 
وتعاليمه. 
وبهذا يستطيع المرجع المعرفي ان يسهم بشكل او بآخر في شق ترعة تصب في خلق ثقافة مساهمة لحل مشكلة الديمقراطية وتعزيز الوحدة الوطنية في العراق بقدر ما يمثل هذا الموروث سبقا، ثقافيا، موروثا لم يرفض الديمقراطية والفكر الديمقراطي بل يستطيع استقبالهما والترحيب بهما وتقبلهما كبنية سياسية. 
اذا، فالثقافة الموروثة في العراق ان لم تكن المسعف الأساسي في اقامة بنية سياسية ديمقراطية فإنها لن تقف عائقا في طريق تشييد مثل هذه البنية. اما العائق فيبقى متمثلا بثقافة الخضوع التي تتعامل مع انواع الثقافات الأخرى من موضع المهيمن.