المحكمة الاتحادية العراقيَّة العليا بحاجة الى قانون رصين وليس لتعديلات مؤقتة

آراء 2021/04/13
...

   زهير كاظم عبود 
دأب الرؤساء الأميركيون بعد الحرب العالمية الثانية على تبني ستراتيجية معينة لمواجهة تحديات وتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأميركية، وبقدر تعلق الأمر بالرئيس الأميركي الجديد بايدن فمن المحتمل أن يتبنى ستراتيجية القوة الذكية (الجمع بين أدوات القوتين الناعمة والصلبة) التي تبناها الرئيس الأسبق أوباما، وما يدعم هذه الرؤية سببان.
افتقرت الدولة العراقية منذ بداية تأسيسها وحتى نهاية زمن الدكتاتورية في 4 نيسان 2003 الى كيان قضائي دستوري يفصل في الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة، او يفصل في القضايا التي تنشأ جراء تطبيق القوانين وتفسير النصوص القانونية، ولم يكن هناك كيان قانوني أو قضائي يلزم الدولة والإدارة ويمنح حق الطعن للأفراد من ذوي الشأن والجهات الأخرى المختصة بالطعن في القرارات والقوانين، إذ كانت مهمة  تفسير القوانين التي تعتمدها الدولة العراقية تقع على مسؤولية ديوان التدوين القانوني التابع لوزارة العدل، ثم تحول الديوان الى مجلس شورى الدولة، وتحول الأخير الى مجلس 
الدولة.
ولم يرد نص في الدساتير الصادرة في العهد الجمهوري يحدد الجهة التي تفسر القوانين والنصوص الدستورية، غير ان القانون الأساسي في العهد الملكي الصادر عام 1925 اشار الى تأليف محكمة عليا لمحاكمة الوزراء وأعضاء مجلس الأمة، وحدد في نص المادة 83 - 87 منه "ان تقوم المحكمة العليا في حال الاختلاف بين قانونين او تفسير القوانين والأنظمة". 
وحين صدر الدستور العراقي 2005 خصصت المواد من 92-94 منه بشأن تشكيل واختصاص المحكمة الاتحادية العراقية العليا، وتنفيذا لهذا النص واستنادا لحكم المادة 44 من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية تم إصدار قانون للمحكمة الاتحادية العليا برقم 30 لسنة 2005 بتاريخ 17 /3 /2005، ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم جرى العمل وفقا لهذا القانون. 
وللحاجة الماسة لقانون يلبي احتياجات المرحلة وينسجم مع البناء الدستوري لسلطات الدولة، كان لا بد من صدور قانون للمحكمة الاتحادية يفصل التكوين والتشكيل والاختصاصات التي يجب ان تكون متطابقة ومنسجمة مع النصوص الدستورية الخاصة بالمحكمة، وتم طرح مشروع للقانون الذي تبنته اللجنة القانونية في مجلس النواب، غير ان سجالا ونقاشا عن تفصيل وتطبيق الفقرة ثانيا من المادة 92 من الدستور بشأن تكوين المحكمة، وبالنظر للرفض الشعبي والتقاطع في الآراء الحاصل عن قضية ضم عدد من (خبراء الفقه الإسلامي) وعدد من (خبراء القانون)  الى عضوية المحكمة، وبين من يحدد تشكيل المحكمة من القضاة حصرا، وأن ما تمت الإشارة إليه (الخبراء) هم من الخبرات التي تستعين بها المحكمة عند الحاجة واللزوم، ويمكن ان يكون تقرير الخبراء سببا تستند إليه المحكمة في أحكامها. 
وأشار عدد من القانونيين والمهتمين بهذا الجانب الى الوقف الشيعي والوقف السني بوصفهما الجهة التي ترشح خبراء الفقه الإسلامي، وان هذه الجهة (الوقفين) هما دائرة تنفيذية تابعة للسلطة التنفيذية، وليس من الهيئات المستقلة التي حددها الدستور، والذي أشار في الفقرة ثالثا من المادة 103 الى ارتباط دواوين الأوقاف بمجلس 
الوزراء. 
ومسألة وجود (خبراء للفقه الإسلامي) يتم اختيارهم من دائرة تنفيذية، ومن شروط اختيارهم ان يكونوا حاصلين على إجازة من الحوزة العلمية أو شهادة 
أكاديمية. 
غير أن مسألة تكون في غاية الأهمية لم يتطرق اليها احد من الطرفين، من يعترض على النص أو من يساند النص، وهي نص المادة 93 من الدستور والتي نصت على اختصاص المحكمة الاتحادية العراقية العليا وهي: 
أولا: الرقابة على دستورية القوانين والأنظمة النافذة. 
ثانيا: تفسير نصوص الدستور 
ثالثا: الفصل في القضايا التي تنشأ عن تطبيق القوانين الاتحادية، والقرارات والأنظمة والتعليمات، والإجراءات الصادرة عن السلطة الاتحادية، ويكفل القانون حق كل من مجلس الوزراء وذوي الشأن من الأفراد وغيرهم، حق الطعن المباشر لدى المحكمة. 
رابعا: الفصل في المنازعات التي تحصل بين الحكومة الاتحادية وحكومات الأقاليم والمحافظات والبلديات والإدارات المحلية. 
خامسا: الفصل في المنازعات التي تحصل في ما بين حكومات الأقاليم والمحافظات. 
سادسا: الفصل في الاتهامات الموجهة الى رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء  والوزراء، وينظم ذلك بقانون. 
سابعا: المصادقة على النتائج النهائية للانتخابات العامة لعضوية مجلس النواب.
ثامنا: آ- الفصل في تنازع الاختصاص بين القضاء الاتحادي والهيئات القضائية للأقاليم والمحافظات غير المنتظمة في إقليم. 
 ب – الفصل في تنازع الاختصاص في ما بين الهيئات القضائية للأقاليم او المحافظات غير المنتظمة بإقليم. 
ونلاحظ أن ليس من بين اختصاصات المحكمة الدستورية الفصل في قضايا فقهية أو خلاف في قضايا الدين والمذاهب، ولما كانت المحكمة (هيئة قضائية مستقلة) نص عليها الدستور، الأمر الذي سيصطدم بالاختصاص الحصري للمحكمة، وسيكون من تتم تسميتهم قضاة للمحكمة الاتحادية (من غير القضاة) ليس لهم مهمة تعزز عمل 
المحكمة. 
ولما كان التعديل الأول الذي صدر على القانون يشكل ارضاء وإسكات لصوت الشارع وآراء أغلب القانونيين، ومع الاستجابة السريعة لتنفيذ حكم التعديل من قبل مجلس القضاء الأعلى، وتسمية رئيس ونائب للرئيس وأعضاء أصليين وأعضاء احتياط للمحكمة جميعهم من قضاة الصنف الأول، سيكون ملبيا للحاجة لسد الفراغ الدستوري، لكننا بحاجة الى قانون رصين ومفصل وفق معيار وطني يعبر بحق عن تطلعات العراقيين لقيام (محكمة دستورية قضائية رصينة) بعيدا عن الكسب الحزبي والمصالح الضيقة.