د. قيس العزاوي
يفضل بعض الباحثين وصناع القرار الأميركي، من الديمقراطيين خاصة، استخدام مصطلحات "ناعمة" حين يتحدثون عن اقتراب ايران من انتاج السلاح النووي، فيقولون ان ايران ربما تجاوزت بعض الحدود فاقتربت من العتبة النووية!!، وهذا يعني انها لم تلتزم بخطة العمل الشاملة التي وقعتها عام 2015، كما انها تجاوزت - كما يقول الجمهوريون- اتفاقية الحد من الانتشار النووي التي وقعتها عام 1970 ايضاً..
دعونا نقترب من لب المعضلة ولا نضيع الوقت باستجواب المصطلحات المبهمة قانونياً والملغومة دبلوماسياً والناعمة لفظياً.. هل تمتلك ايران القدرة التقنية اليوم التي تجعلها على عتبة الاقتراب من انتاج السلاح النووي؟، تلك هي المسألة التي تشغل بال الغربيين عموما وإسرائيل خصوصا، ولذلك نسجل الملاحظات الآتية:
أولاً: ان الحد المسموح به لتخصيب اليورانيوم الذي اقره الاتفاق النووي مع ايران هو ان لا يتجاوز 3.67 ٪ فهل تجاوزته ايران؟ الجواب المعلن نعم، فقد أدى الانسحاب الأميركي من الاتفاق الى اندفاع إيراني متسارع فضاعفت تخصيبها لليورانيوم بنسبة 19.75 ٪. وقد اعترف علي ربيع المتحدث باسم الحكومة الإيرانية إن بلاده استأنفت تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 بالمئة بمنشأة فوردو النووية تحت الأرض، ومؤخراً أعلن المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي في (22 /2 /2021) أن طهران قد تخصب اليورانيوم بنسبة تصل إلى 60 بالمئة، فإذا علمنا بأن انتاج سلاح نووي يستوجب تخصيب بنسبة 90 ٪ وأن الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقول إن إيران لديها أكثر من 12 ضعف كمية اليورانيوم المخصب التي يسمح بها الاتفاق النووي، فإن مسألة امتلاك ايران القدرة على انتاج سلاح نووي أصبحت تحصيل حاصل كما يقال..
ثانياً: إن الخبراء الاميركيين ومن بينهم الخبير في معهد واشنطن سايمون هندرسون احد مؤلفي "ايران النووية" يؤكدون ان ايران قامت بتشغيل عدد كبير من أجهزة الطرد المركزي لتخصيب اليورانيوم، وانها تستخدم "جهاز طرد مركزي متقدم" في محطة نطنز الرئيسة النووية يُعتبر الجهاز "آي آر- 4" كما تستخدم جهازا اخر هو "آي آر- 2 إم وتقدّر إنتاجية الجهازين بنحو 3 - 5 "وحدات فصل، وتعتقد بعض السيناريوهات ان ايران تجاوز العتبة النووية من خلال إعادة استعمال مخلفات بنسبة 2 ٪ واللجوء إلى تدابير أخرى لبلوغ مستويات تخصيب أعلى بسرعة أكبر.
لذلك فإن أحد الشروط الاساسية للرئيس الأميركي جو بايدن لتخفيف العقوبات على ايران والعودة للاتفاق النووي هو تفكيك سلسلتين من أجهزة الطرد المركزي المتقدمة التي استخدمتها ايران من دون موافقة الوكالة الدولية للطاقة النووية لعرقلة وصول ايران للعتبة النووية وتطوير مواد انشطارية صالحة لصنع الأسلحة.
ثالثاً : يبيّن هندرسون أن بلوغ التخصيب نسبة 90 ٪ التي تُعتبر ضرورية لصنع سلاح نووي معياري أكثر سهولة عندما يكون مستوى التخصيب الأولي لمادة غاز "سادس فلوريد اليوارنيوم" الوسيطة أعلى. ويستنتج هندرسون "إذا كانت إيران قادرة على تشغيل المزيد من أجهزة الطرد المركزي وزيادة إنتاجيتها، فإن الوقت اللازم لتكديس اليورانيوم المستخدم في صنع قنبلة نووية سيتقلص أكثر فأكثر"، وسيكون تجاوز العتبة النووية ممكناً حالما تُنتج الكمية الضرورية من "سادس فلوريد اليوارنيوم" المخصب بنسبة 90 ٪، وتحوّله إلى معدن اليورانيوم لصناعة الأجزاء المعدنية من قنبلة اليورانيوم.
رابعاً: إن روسيا أسهمت وتسهم بفعالية من خلال شركة "أتومسترويكسبورت" وكذلك وكالة روساتوم الروسية الحكومية في دعم المساعي الإيرانية لتنفيذ واستكمال البرنامج النووي الايراني وهو ما تؤكده الباحثة الروسية أنا بورشفسكايا.
مما سبق تتضح لنا جدية تجاوز ايران للعتبة النووية، وانها تقترب من صناعة سلاح نووي على الرغم من كل التأكيدات المنافية لذلك.. ولكن مما يدعو الى الدهشة هنا هو اعتراف احد ابرز باحثي معهد واشنطن وهو جاي سولومون ان بعض الدبلوماسيين المحيطين بالرئيس بايدن يميلون الى التستر على تجاوزات ايران من اجل العودة للاتفاق النووي معها!!