نحو رؤية موضوعيَّة لتقييم حدث 9 نيسان 2003

آراء 2021/04/14
...

  عبد الحليم الرهيمي
 
مرت قبل أيام الذكرى الثامنة عشرة لحدث 9 نيسان 2003 التي لم يحظ للاسف، بالاهتمام الذي يرتقي الى اهميته وموقعه في تأريخ العراق المعاصر، اذ تناوله معظم وسائل الاعلام ومواقع التواصل الاجتماعي باجتزاء او بمواقف معادية مسبقة، اتسم بعضها بالسطحية والسذاجة بعيدا عن التوصيف الواقعي الموضوعي الذي يضع الحدث في سياقه التاريخي والوطني.
ان الوصف التاريخي الوطني الذي لم يأخذ به سوى بعض المواقف و التحليلات، هو ان الحدث - في الواقع - حدث مفصلي وكبير الاهمية في تاريخ العراق وشعبه، بل وبلدان المنطقة، اذ مثّل حداً فاصلاً بين زمنين وعهدين وتأريخين، اي كان نهاية الحقبة التي مثّلها عهد نظام الطغيان والاستبداد والدكتاتورية وتدمير العراق وشعبه الذي الحق به كل صنوف الخراب والدمار، التي اسست لمستقبل مجهول، كما بدت الأوضاع العامة للعراق وشعبه قبل الاطاحه به، ومثّل كذلك حداً فاصلاً بين حقبة وعهد لنظام جديد واعد بالتغيير على مختلف المستويات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتعليمية والصحية.. وغيرها، اي حقبة نظام جديد نقيض حقاً لما كانت عليه حقبة النظام السابق.
هذا النظام الواعد الجديد انتظره العراقيون لأكثر من ثلاثة عقود و ضحوا من اجله وأسهم المخلصون بتحقيقه، بدأ يتهاوى ويتبدد ذلك (الحلم الوردي) الذي راود مخيلة الكثيرين من العراقيين ما بعد الاطاحه بالنظام الدكتاتوري وبرمزه في 9 نيسان، وقد جرى التعبير عن ذلك بمظاهر الفرح والابتهاج العارم الذي استقبل به المواطنون اطاحة النظام واسقاط نصب الطاغية في ساحة الفردوس في بغداد وبقية المناطق، حيث ترافق ذلك بحملة من الهتافات والممارسات المنددة والرافضة لذلك النظام ورمزه الدكتاتوري صدام .
ازاء هذا الحدث المفصلي- التاريخي تعددت اراء العراقيين وتباينت حوله بين المتضررين من اطاحة النظام القديم، وبين الموعودين بنظام جديد بديل و نقيض حقاً لذلك النظام، وفي حين اتخذ انصار النظام السابق المتضررين من اطاحته مع بعض شرائح من المواطنين، وهم اقلية، موقفاً سلبياً و معادياً باعتبار هذا الحدث احتلالا اميركيا وعدوانا اطاح بنظام سياسي وطني، اتخذ الموعودون بنظام ديمقراطي عادل جديد وفق تصنيفات الانظمة الحديثة المتطورة، وهم غالبية المواطنين، موقفاً ايجابيا مؤيداً للتغيير املاً ان ينعكس هذا التغيير على اوضاعهم و اوضاع العراق، ويرى انصار هذا الاتجاه - وما زالوا - ان حدث يوم 9 نيسان هو يوم تحرير للعراق والعراقيين من ربقة وظلم واستبداد النظام السابق، وهو في الوقت نفسه يوم بداية التغيير الواعد باقامة نظام سياسي جديد متطور يتجلى برنامجه بإعمار و تطوير العراق على مختلف الصعد، واشاعة الحريات العامة للمواطنين وحمايتها وحفظ كرامتهم وبناء دولة يحكمها القانون حقاً لا ادعاءً، دولة مؤسسات خالية من الفساد والمفسدين يعيش فيها العراق وشعبه بسلام مع جيرانه ودول العالم، من دون حروب و اعتداءات على الغير.
هذه المبادئ والأسس هي التي كان مقرراً ان يؤسس ويتشكل، بالاستناد اليها، النظام الجديد بعد اطاحة النظام الدكتاتوري القديم، عززت الامال الكبيرة الواعدة لدى غالبية العراقيين بعراق جديد مختلف و نقيض للنظام الدكتاتوري السابق، لكن تلك الامال و التوقعات اخذت تتبدد ثم تتبخر عبر السنوات التي تلت حدث التحرير والتغيير في 9 نيسان، لن تلغي المبادئ والأسس التي طرحت كأسباب موجبة ومبررات للتغيير والتي اخذ بها، او بمعظمها، خلال المسار المتعثر في العملية السياسية، لكن تلك المبادئ والأسس قد تم تجويفها وتشويهها في الواقع ومنذ البدء. في الدستور الذي يتحدث الجميع انه يحتوي على ألغام وأخطاء كثيرة ويجب تعديله او تغييره قد صاغته وكتبته جهات غير مؤهلة وغير متخصصة، اما الانتخابات فإنها وباعتراف الغالبية لم تكن نزيهة وعادلة في كل الدورات، سواء في التزوير او في الشعارات الطائفية المضللة فأنتجت ذلك برلمانات مشوهة و سلطات تنفيذية عاجزة في المركز والمحافظات اتهم بعضها بالفساد، فضلا عن عدم ممارسة القضاء والادعاء العام لمسؤوليتهم كما ينبغي جراء الضغوط السياسية، فضلاً عن الضغوط على المحكمة الدستورية العليا، اضافة للعجز عن المكافحة الجدية للفساد وكذلك العجز بالدفاع عن ارض و سيادة الوطن التي اتسمت بها بعض الحكومات التي وقع في عهدها احتلال عصابات داعش الارهابية لقسم من الاراضي العراقية في حزيران 2014.
ان هذه المبادئ والأسس الذي تحقق حدث 9 نيسان من اجل تطبيقها في الواقع العملي بعد التغيير للعراق الجديد، ستبقى تشكل القواعد الأساسية التي لابد منها لاي تغيير وبأي وسيلة، خاصة عبر السبيل السلمي الديمقراطي الصحيح. وحتى يتحقق ذلك لابد من معرفة ونقد الأخطاء التي شكلت عوامل مهمة واساسية في مرحلة التأسيس الأولى، والتي ترافقت مع الدور السيئ، الذي أدته الطبقة السياسية بكتلها و احزابها جراء انعدام الأهلية والأخلاص وافتقاد مواصفات رجال الدولة، بل وحتى رجال السلطة، لغالبيتهم ثم ما رافق هذا الأداء من فساد وانعدام أو ضعف الولاء للوطن و الشعب، اضافة لعوامل داخلية وخارجية 
اخرى.
وبالطبع، فإن نقد وتجاوز اخطاء التأسيس سيساعد في تجاوز وتعطيل دور العوامل الداخلية والخارجية السلبية ويوفر الأرضية المناسبة للتأسيس الجديد على قواعد وأسس صحيحة.
إنَّ نقد وتجاوز اخطاء التأسيس الاول يتطلب عدم الوقوع في اخطاء بعض الكتاب وخاصة منظري الاسلام السياسي، الذين يمكن ان نطلق عليهم جماعة (الاسلام السياسي معكوساً) الذي يتنكر لأخطاء التأسيس الحقيقة ويركز على ان من اخطاء التأسيس انما بسبب تخلف المجتمع و جهله وعدم وعيه لفكر التغيير الحضاري.. والى غير ذلك من ادعاءات.
ومن بين اخطاء التأسيس المهمة التي يجب التركيز عليها ايضاً من اجل تجاوزها في اي عملية تغيير قادمة هي:
- حل الجيش العراقي والاجهزة الامنية ومعظم مؤسسات الدولة، التي كان بالامكان تطهيرها واصلاحها لاحقاً بصورة تدريجية.
- كتابة الدستور من جهات غير مؤهلة وغير متخصصة، أسفرت عن احتوائه على أخطاء كثيره.
- عدم وضع الضوابط الصارمة لانتخابات نزيهة وعادلة وبعيدة عن الشعارات الطائفة والأثنية و المال السياسي.
- عدم وضع قوانين التي تمنع وتكافح المحاصصة الطائفية والأثنية، وكذلك القوانين التي تمنع الفساد ونهب المال 
العام .
- خطأ تشريع قانون (اجتثاث البعث) الذي تضرر منه قطاع واسع من المجتمع ممن ارغموا على الانتماء لحزب البعث، من دون ان تسجل عليهم اخطاء او ارتكابات جرمية تدينهم وان عدم الوقوع بهذا الخطأ، كان يتطلب مساءلة وتجريم كل من ارتكب جرماً بعد احالته على القضاء .
تلك هي بعض اخطاء التأسيس بعد حدث 9 نيسان 2003 للتغيير، وهي اخطاء يبقى نقدها ودراستها لابراز الوجه الحقيقي لذلك الحدث، ولأخذ الدروس و العبر في العمل السياسي البناء.