إعداد: الصباح
يجمع خبراء السياسة والتخطيط، أنَّ أزمة السكن في الدول النامية (مصطلح تقليدي ليس معيارياً)، هي واحدة من أهم أسباب الصداع للحكومات. ولأنها مشكلة واسعة ومزمنة، فقد صار لها معايير عالمية لفهم مدى تفاقمها. وكذلك لأجل المساعدة بوضع الحلول لها.
تفرتض الدراسات، أنَّ (الوحدة السكنية الملائمة للأسرة)، يجب أنْ يكون سعرها بما يوازي قدرة الأسرة على الادخار لمدّة 10 سنوات. بقياس متوسط الدخل العام. فإذا كان سعر الوحدة في سوق السكن المحلية (أكبر)، من هذا المعدل، فالأمر يعني أنَّ السوق تلك تعاني من شح (مواد بناء، خدمات بنى تحتية، إشكالية الأراضي، فشل القوانين.. الخ).
ووفقاً لتقديرات مصادر وكالات الأمم المتحدة، فإنَّ 30 % من السكن في المدن المكتظة حول العالم (تعدادها 3 ملايين نسمة صعوداً)، هو سكن في أزقة غير لائقة، ولا يلبي الحدود الدنيا لحجم الوحدة السكنية بمعايير تلك المدن.
تضع الحكومة الهندية قيوداً قاسية على نقل مواد البناء الى أحياء بعينها في أكثر مدنها ازدحاماً، من أجل منع تكاثر المنازل بالانقسام. وتمنع السلطات في كلكتا مالكي المنازل المعروضة للاستئجار من قيادة السيارات ما لم يرفقوا إثباتاً بإجراء الكشف السنوي على عدد المستأجرين لكل وحدة سنويَّة.
بينما يلجأ البنك الدولي الى تقديرات في دراساته تسهم في حل أزمة السكن محلياً في البلدان المكتظة، إذ يفترض أنَّ منع الرساميل من زيادة الاستملاك لغرض تعزيز الأصول الثابتة، هي عملية مفيدة لضبط أسعار الوحدات السكنية وبالتالي وفرتها. لكنَّ هذه القيود لو فرضت ستصطدم برغبة الحكومات في جذب الاستثمارات الى قطاع الإسكان في الداخل.
تضع بلدية لندن شروطاً تربط بين عدد غرف النوم في الوحدة السكنية والحد الأدنى للمساحة الكلية، فالوحدة السكنية ذات غرفة النوم الواحدة، يجب ألا تقل مساحتها عن 50 م2، إنْ كانت من طابق واحد. وألا تقل عن 58 م 2، إنْ كانت من طابقين. لكن، حتى في لندن، هناك أزمة للسكن، إذ تقول المنظمات المعنية بهذه الأزمة، إنَّ لندن بحاجة الى 3 ملايين وحدة سكنية جديدة خلال السنوات العشرين القادمة كي تضمن عدم ارتفاع أسعار الإيجار بشكلٍ خارج عن المعقول.
وارتفاع معدلات الإيجار، يعني ضمناً أنَّ هناك مهناً متدنية المدخولات في تلك المدن لن يكون من السهل تلبيتها، لأنَّ العاملين فيها لن يكون متاحاً لهم استئجار مكان للسكن داخل المدينة وقرب مواقع عملهم.
في العاصمة الأندونيسية جاكارتا، ارتأت الحكومة حلولاً لأزمة السكن تمتاز ببعد النظر، فالمساحة وسط المدينة بدأت تتلاشى، وأسعار العقارات وبدلات إيجاراتها بدأت ترتفع، لهذا قررت مبكراً ومنذ مطلع عام 2002، بضخ المزيد من الاستثمارات في قطاع النقل، وإنشاء خطوط جديدة لقطار الضواحي. هذا يعني عملياً، أنَّ العاملين في وسط المدينة ومراكزها التجارية ومؤسساتها، غير مضطرين للسكن في قلبها المكلف. ومن المتاح لهم أنْ يسكنوا في الضواحي (البعيدة)، وفي ذات الوقت يحافظون على عملهم في المركز.
ولجأت مدن كبرى لما يسمى (حويصلات المدن)، وهي انبثاقات ترتبط بطرق نقل جيدة مع المراكز القديمة. فظهرت مدن مثل (6 أكتوبر في القاهرة)، ومدن جديدة أخرى في محيط عمّان الاردنية، والجزائر العاصمة، وشيراز في إيران. ويعتمد نجاح فكرة الحويصلات كلياً على ملاءمة الموقع، ومدى توفر النقل الرابط بالمراكز القديمة من أجل منح الثقة للساكنين بأنهم لن يبتعدوا كثيراً عن الأماكن التي ولدوا بها وأصبحت مكلفة لاستمرار العيش
فيها.