تفعيل المادة ٣٠ من الدستور الدائم

آراء 2019/02/11
...

محمد عبد الجبار الشبوط
 

اذا كانت "السعادة" او "الحياة الطيبة" هي ما يسعى كل فرد الى الحصول عليه، فإنّ الطريق إليها يمر، من بين امور اخرى، عبر العدالة الاجتماعية. ولهذا كانت العدالة من بين ابرز المسائل التي تشغل بال الاديان والفلاسفة والمفكرين. والعدالة تتحقق عبر امور منها: الضمان الاجتماعي. والضمان الاجتماعي social  security عبارة عن التزام بتوفير مال لسد حاجات المحرومين والمحتاجين والفقراء، او الاقل غنى. وتلتزم الدولة والمجتمع بتوفير هذا المال عن طريقين: الثروات الطبيعية التي يملكها البلد، والضرائب التي يدفعها المواطنون العاملون سواء في القطاع الخاص او القطاع العام. 
وبفعل التطور المستمر في القيم الحضارية والانسانية اصبح الضمان الاجتماعي جزءًا من منظومة حقوق الانسان المعترف بها عالميا.
فقد نصّت المادة  22 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن كل شخص، بوصفه عضوًا في المجتمع، له الحق في الضمان الاجتماعي وله الحق في أن يتم توفيره له، من خلال الجهد القومي والتعاون الدولي وبما يتفق مع التنظيم والموارد في كل دولة، من الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي لا غنى عنها من أجل كرامته والتنمية الحرة لشخصيته. وبمعنى أبسط، يعني ذلك أن الموقعين يوافقون على أن المجتمع الذي يعيش فيه أحد الأشخاص ينبغي أن يساعده في تنمية شخصيته وتحقيق الاستفادة القصوى من جميع المزايا (الثقافة والعمل والرعاية الاجتماعية) التي تقدم له في البلاد.
واليوم تطبق الدول التي حققت درجات عليا في السلم الحضاري، كما في بريطانيا وهولندا والدول الاسكندنافية وغيرها، مفهوم الضمان الاجتماعي على مواطنيها والمقيمين فيها بطرق مختلفة.
وقد انعكس هذا في الدستور العراقي الذي تنص المادة (30) منه على ما يلي:
 أولاً:ـ تكفل الدولة للفرد وللأسرة ـ وبخاصة الطفل والمرأة  ـ الضمان الاجتماعي والصحي، والمقومات الأساسية للعيش في حياةٍ حرةٍ كريمة، تؤمن لهم الدخل المناسب، والسكن الملائم. 
ثانياً:ـ تكفل الدولة الضمان الاجتماعي والصحي للعراقيين في حال الشيخوخة أو المرض أو العجز عن العمل أو التشرّد أو اليتم أو البطالة، وتعمل على وقايتهم من الجهل والخوف والفاقة، وتوفر لهم السكن والمناهج الخاصة لتأهيلهم والعناية بهم، وينظم ذلك بقانون.
وقد قرأتُ في أحد المصادر ما يلي:
"الضمان الاجتماعي يشير إلى برامج عمل الحكومة التي تهدف إلى تعزيز رفاهية السكان من خلال اتخاذ تدابير مساعدة تضمن الحصول على ما يكفي من الموارد للغذاء والمأوى ومن أجل تحسين الصحة ورفاهية السكان في قطاعات كبيرة ومحتمل أن تكون ضعيفة مثل الأطفال وكبار السن والمرضى والعاطلين عن العمل. وغالبًا ما تُسمّى الخدمات التي تقدم الضمان الاجتماعي بـالخدمات الاجتماعية. ويضيف المصدر الى ان مصطلح الضمان الاجتماعي قد يشير إلى الجوانب التالية:
اولا، التأمين الاجتماعي، إذ يحصل الناس على منافع أو خدمات تقديرًا لمساهماتهم في برنامج التأمين. وعادة ما تشمل هذه الخدمات توفير رواتب التقاعد والتأمين ضد العجز واستحقاقات الناجين وتعويضات البطالة. 
ثانيا، الخدمات التي تقدمها الحكومة أو الهيئات المعينة المسؤولة عن توفير الضمان الاجتماعي. 
وقد يشمل ذلك، في بلدان مختلفة، الرعاية الطبية والدعم المالي خلال البطالة والمرض أو التقاعد والصحة والسلامة في العمل وجوانب العمل الاجتماعي وحتى العلاقات الصناعية. 
ثالثا، الأمن الأساسي بغض النظر عن المشاركة في برامج تأمين محددة حيث قد تكون الأهلية مشكلة من ناحية أخرى. وللحصول على مساعدة فورية تُعطى للاجئين الذين وصلوا حديثًا للحصول على الضروريات الأساسية مثل الغذاء والملابس والمسكن والتعليم والمال والرعاية الطبية."
وتستند فكرة الضمان الاجتماعي الى مفهومين اساسيين هما: حق الجماعة في الثروات العامة، وحق المحرومين على غير المحرومين. وكلا الحقين معترف بهما في القرآن الكريم.
وقد اشار الدستور العراقي ضمنا الى الحق الاول في المادة (111) التي نصّت على ان "النفط والغاز هو ملك كل الشعب العراقي في كل الاقاليم والمحافظات". ولا يوجد قانون يوضح كيفية استفادة المواطنين من هذا الحق، كما لا توجد اشارة واضحة الى حق
 المحرومين.
 وفي أغلب الأحيان يكون الحرمان خارج إرادة الفرد، إذ تلعب العوامل الذاتية والظروف الموضوعية دورا كبيرا في حرمان الفرد من فرص العيش الكريم، وهذا ما يُسميه الفيلسوف الاميركي جون راولز باللامساواة الطبيعية، واشار اليه القرآن الكريم بقوله: "وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ"، وقوله: "وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ". 
ويمكن للدولة في اطار سعيها الى تحقيق العدالة الاجتماعية ان تفرض ضريبة المحرومين وهي مبلغ من المال يستقطع من مدخولات العاملين في القطاع الخاص والعام لصالح المحرومين في المجتمع، وذلك في اطار تنفيذ المادة 30 من الدستور الدائم.
يتطلب تفعيل هذه المادة اصدار قانون العدالة الاجتماعية الذي يوضح بالتفصيل الاجراءات الواجب القيام بها لتحقيق العدالة في المجتمع
 العراقي.