التقطت مجموعة الدول التي كانت تحسب على النظام الاشتراكي، التي تعرضت للانهيار في تسعينيات القرن الماضي انفاسها، كونها تمتلك بنية تحتية اقتصادية وبتقاليد ادارية متناغمة معها، لذلك لم تنحرف تنمويا.
وفي العراق، البداية كانت مؤسسة للتنمية، لذا اصبح اقترانها بقرار الغاء جميع الاجازات الاستثمارية المتلكئة ونسب انجازها من صفر الى 35 بالمئة، وانتهت المدة الزمنية لتنفيذها، يأتي في سياق الاستثمار الحقيقي، اذ سيلغي 1128 اجازة استثمارية، وسيعيد للدولة نحو 400 الف دونم تقدر بـ90 ترليون دينار.
القرار يحتاج الى الكثير من الجهد والحذر والتوقعات، لأنه أولا سيصدم الكثير من العابثين المباشرين وحاضناتهم والتي باتت تقاليد عملهم تسبح عكس تيار الفقر والبطالة والزيادة السكانية وتهالك المشاريع الاهلية والحكومية، وهذا التحدي لا تتم مقاومته بالتقاليد الادارية، ولكن بالتمسك بروح التوجيهات الاخيرة التي يمكن القول انها باتت الاداة الشرعية والقانونية. لمواجهة هذا القرار فمن المتوقع ان تستعمل الوسائل والطرق كافة بمعاونة الادوات البيروقراطية التحاصصية، لأن القرار سينتهك خطوطا حمراء تمأسست للسنوات الـ 18 الاخيرة، بحيث باتت لها ارقام حرجة بمعادلة صعبة اي مصالح ساندة وشعبوية، تمتد من منافذ الحدود ومن ورائها، الى ملف المياه الذي يراوح وعلاقته بالاستثمار، وما يلتف على نافذة العملة الذي انعكس سلبا على ضعف المنتج المحلي، لان عملة اي بلد ترتكز على انتاجه من زراعة وصناعة وسياحة وباستثمار مغيب مع سبق الاصرار في الحقول الثلاثة.
تجربة اقليم كردستان أنموذجا للاستقرار منذ تسعينيات القرن الماضي، تطورت خلالها الصناعة وتحقق في الاقليم الاكتفاء ذاتيا بالزراعة وازدهرت السياحة لتنافس دول الجوار، مقارنة فقط بما آلت اليه مدن الوسط والجنوب، ولكن وارداتهم المحلية لم تكن كافية حسب سجالات الموازنات سنويا. من المهم الآن الالتفات الى اقرار قانون النفط والغاز المركون ليكون سببا مباشرا للاستثمار في الصناعة النفطية، وباقي القضايا الاقتصادية المعلقة ذات العلاقة، لان مشاريع الاستثمار المتلكئة تقع تحت هذا السياق سواء أكان في الشمال او الوسط او الجنوب.
لم نلمس عمليا اي برنامج انتخابي يتضمن مساندة خطط وزارة التخطيط السنوية او الخمسية سواء في الاقليم او المركز، كما لم نسمع اي صوت داعم لمجلس الخدمة الاتحادي، الذي يعتزم توزيع الدرجات الوظيفية نتيجة حركة الملاك.
ولغرض دعم قرار سحب الرخص الاستثمارية للمشاريع المتلكئة في هيئة الاستثمار، ينبغي على كل وزارة وفي غضون شهرين ان تعقد مؤتمرها التأسيسي الاستثماري لتحدد، عمليا، مكانها ليصبح مديروها العامون المسؤولين قانونيا عن الارقام والنتائج التي يقرها المؤتمر، لأننا في عجلة من أمرنا كون الانتخابات المفصلية على الابواب، ولردم فجوة تتسع بالساعات والايام، لنلمس انعكاس الخطط الوزارية المتناغمة مع خطط وارقام التخطيط ومعاييرها، لأنه لا خروج من المأزق من دون بوصلة الاستثمار بواقعه الجديد.