محمد شريف أبو ميسم
كاد العراق أن يحقق الاكتفاء الذاتي بمحصول الحنطة في الاعوام التي تلت العام 2014، لتسجل سابقة ايجابية لم يعرفها البلد من قبل، حتى في زمن الحصار، الذي لم يتجاوز حجم انتاج الحنطة فيه ثلاثة ملايين طن سنويا، بينما تستهلك البلاد اربعة ملايين طن، وكان هذا التحول في معدلات الانتاج على اثر ادخال التقانات الحديثة في العملية الزراعية بفضل المبادرة الزراعية التي توقف العمل بها في العام
2015. ولولا عدم ايفاء الحكومة في تسديد مستحقات المسوقين بدعوى الازمة المالية، لما تراجع محصول الحنطة في السنوات اللاحقة جراء عزوف المزارعين عن الزراعة بفعل الخسائر التي تعرضوا لها، وظل المشهد يتكرر سنويا مع المنتجين الذين تمسكوا بعملهم، بالرغم من الصعوبات التي واجهتهم، حتى وصل الحال الى ممارسة الضغط واتباع الاجراءات القانونية بحق الفلاحين والمزارعين الحاصلين على قروض زراعية، والتي عادة ما تمنح بموجب ما يسمى بالائتمان الزراعي الذي يحسب الاسترداد فيه على ضوء دورة رأس المال، حيث تبدا من تاريخ منح القرض وتنتهي بتاريخ السداد عند تسويق الحاصل.
وعلى اثر ذلك تعرض العديد من الفلاحين والمزارعين الى مضايقات اجرائية بهدف تحصيل الديون، منهم في وقت لم يحصلوا فيه على مستحقاتهم من مراكز الاستلام التابعة لوزارة التجارة، وبالتالي ازداد عزوف المنتجين عن ممارسة الزراعة واتجهوا هم واولادهم الى مهن ووظائف اخرى لضمان الحصول على قوتهم.
وقد أسهمت الجهات القطاعية ومنظمات المجتمع المدني ومطالبات الفلاحين والمزارعين في لفت نظر وسائل الاعلام الى اهمية تسليط الضوء على هذه المشكلة، التي تتكرر وتسهم في تهديد الامن الغذائي
للبلاد.
وكان أمل العاملين في القطاع الزراعي ألا تتكرر هذه المأساة مع اقرار قانون الموازنة لهذا العام، بالتزامن مع انطلاق العمل بالورقة البيضاء، ولكن المفارقة أن يتم الطعن بقانون الموازنة لهذا العام بشأن رفع سعر طن الحنطة بنحو 50 الف دينار، ويبدو ان الجهة التي قدمت الطعن، تستند الى قانون الادارة المالية الذي لا يجير للبرلمان زيادة النفقات، الامر الذي سيؤخر صرف مستحقات الفلاحين بالتزامن مع موعد التسويق الحالي، ما يعرض المنتوج والفلاح والعملية الزراعية وحتى الأمن الغذائي الى اشكاليات كبيرة مع تأخير النظر بهذا
الطعن.
وتجنبا للخسائر المحتملة ينتظر الفلاحون والمزارعون قرارا حكوميا سريعا يحسم الجدل بهذه الاشكالية التي باتت تشكل ما يشبه الظاهرة.