التفاوت في توزيع الدخول

اقتصادية 2021/05/11
...

د.مصطفى كامل رشيد

تشترك جميع بلدان العالم في ميزة التفاوت في توزيع الدخول، وإن هذه الميزة تتأتى في الغالب من تنوع بيئة الاعمال، واختلاف تفضيل الأفراد في تلقي العوائد والمخاطر في الاستثمارات المختلفة.
وتحاول حكومات بلدان العالم كافة، أن تقلل من التفاوت في توزيع الدخول على سكانها من خلال المدفوعات التحويلية، التي تؤسس شبكات الرعاية للمحتاجين وللطبقات السكانية الخاصة، الا أن تلك المحاولات لا تعدو عن كونها مقاربات فكرية واجتهادات عملية لتدنية حالات العوز والفقر بين صفوف السكان، من اجل تقليل النقمة والحقد المجتمعي، دعما للتعايش السلمي.
لذا تعتمد الحكومة الضرائب كوسيلة لسحب جزء بسيط او اكثر من ذلك بقليل من النقد والثروات لدى الاغنياء، ليعاد حقنها من جديد في السكان، تحت بند النفقات العامة الاجتماعية الحاكمة والداعمة لشرائح المحتاجين والفقراء والمرضى والمتقاعدين وغيرهم.
وبذلك يصبح التفاوت في توزيع الدخول من افرازات بيئة الاقتصاد وهو من الامور الطبيعية تماما. ولكن المشكلة ليست في التفاوت، وانما في حدة درجة التفاوت، لان كلما انخفضت درجة الالتزام بتطبيق القانون، كما هو الحال في العراق. ارتفعت معه حدة درجة التفاوت في توزيع الدخول بين شرائح السكان، مما تسبب بتوليد نقمة وحقد مجتمعي، باتجاه النزاع المجتمعي كما هو سائد في العراق.
إنَّ ارتفاع حدة التفاوت في توزيع الدخول في العراق ناتج عن ارتفاع درجة الفساد الاداري والمالي، التي تؤسس اكثر من مصدر لدخل الافراد، وارتفاع مظاهر اقتصاد الظل، وانتعاش النشاط الاقتصادي غير المنظم، فضلا عن ازدياد الاعمال المشبوهة وغير القانونية وعمليات غسيل الاموال وعمليات التهريب بجميعأنواعها.
إنَّ ارتفاع دخول العديد من الأسر العراقية دفع باتجاه ارتفاع اسعار المعيشة واصبح الحصول على المأوى والمأكل صعبا للغاية، اذ ارتفعت اسعار المنازل بعد عام 2006 بشكل كبير جدا، ما شجع على انتشار العشوائيات والمنازل المجتزأة وتحويل جنس العديد من الاراضي الزراعية الى سكنية، وعلى الرغم من ذلك فإن مظاهر التخمة واضحة لدى العديد من الاسر العراقية سواء بالاستهلاك الضروري او الترفي، مقابل ارتفاع شرائح السكان تحت خط الفقر وارتفاع اعداد الأسر المحتاجة وحالات العوز والحرمان، وارتفاع اعداد البطالة في صفوف السكان وبالخصوص فئة الشباب، لطالما ان الاستحواذ على الثروات وتكدسها بيد طبقات معدودة جدا من المجتمع، قد تسبب بافقار بقية شرائح المجتمع وحرمانهم من فرصة الاستفادة من خيرات هذا البلد بشكل عادل.