السلف المعيشيَّة

اقتصادية 2021/05/19
...

محمد شريف أبو ميسم 
عادة ما يكون التوجه نحو زيادة نسب الائتمان في القطاع المصرفي من خلال خفض نسب الفائدة المستوفاة على القروض، مؤشرا على رغبة المعنيين بالسياستين النقدية والمالية في معالجة حالة الركود، وزيادة فعالية القطاعات الحقيقية، والتداولات المالية بهدف دفع عجلة التنمية والهروب من شبح الكساد، الذي عادة ما ينجم عن ديمومة الانكماش في حركة
 السوق.
 وتبدو حالة التوسع في منح القروض واضحة في توجهات عموم المصارف الحكومية والأهلية، بعد أن أصبحت أداة من أدوات التنافس بين المصارف لاستقطاب الجمهور لفتح الحسابات المصرفية وتوطين الرواتب. الا ان هذا التوسع بالتزامن مع زيادة سعر صرف الدولار أمام الدينار العراقي، قد يكون سببا مباشرا في ارتفاع مؤشر التضخم ما لم يكن موجها بحسب الأغراض التي يتم بموجبها منح تلك القرض
 للمواطنين.
ونشير هنا تحديدا الى السلف المعيشية التي تمنحها بعض المصارف والتي تتراوح بين خمسة الى عشرة ملايين دينار، اذ هذه السلف لا تغني ولا تسمن من جوع في اطار الحاجة الى تنشيط المشاريع الصغيرة والمتوسطة، خصوصا انها تمنح الى موظفي الدولة وليس لأصحاب المهن والورش والحرف اليدوية.
وقد توجهت العديد من المصارف نحو هذا النوع من السلف الصغيرة لاستقطاب الموظفين، بوصفها بديلا عن القروض التي تمنح بمبالغ كبيرة، اذ يمنح كل ثمانية موظفين تقريبا ما معدله قرض واحد من قروض الاسكان أو ما يسمى بقروض المئة
 راتب. 
وهنا يحقق المصرف مجموعة من الأهداف من بينها سهولة استرداد المبلغ، وضمان حصول جميع زبائن المصرف على هذه السلف وعدم استثناء أحد منهم، وتجنب الخوض بمخاطر الائتمان الناجمة عن القروض الكبيرة، وضمان كفاية السيولة في تحقيق دوران الكتلة
 النقدية. 
بينما ستسهم هذه القروض التي يمكن أن تمنح لاي موظف أو متقاعد، في ضخ نحو 30 ترليون دينار في حال شمول 4 ملايين موظف ومتقاعد، من دون أن يكون لها دور في تشغيل المشاريع الصغيرة أو المتوسطة في حال حصل نصف العدد على خمسة ملايين دينار والنصف الآخر على عشرة ملايين دينار لكل موظف أو متقاعد. 
ما يعني زيادة مستويات التضخم بشكل لافت دون تحقيق أهداف تنموية حقيقية، بينما ستبقى محاولات انعاش المنتج المحلي مرتبطة بضبط حركة التجارة الخارجية أكثر من فعالية حركة السوق. لأن التنافسية  ستبقى  غير متكافئة  بين  السلعة  المستوردة  وكلفة  انتاجها
 محليا.