ريسان الخزعلي
في الفهم المتداول، غالباً ما يُثير مفهوم السلطة معنىً يُشير إلى التسلط القسري المفروض بالقوّة على المجتمع وحياة المجتمع. ومثل هذا الفهم يرتبط تاريخياً ونفسياً بالمعاناة والظروف القاسية، التي أوجدتها الأنظمة الدكتاتورية على مدى حقبٍ زمنية مرّت بها الكثير من المجتمعات. إلا أن الفهم الحقيقي للسلطة، كما يحدده علماء الاجتماع التنويريّون ينص بوضوح على أنه: القدرة الإيجابية الفاعلة في توجيه الأفراد والمؤسسات، نحو تحقيق الأهداف والطموحات العامة التي يصبو لها الفرد والمجتمع، من خلال شرعية اكتسبها أصحاب القدرة بتخويل من المجتمع.
إنَّ شرعية السلطة كما يصنفها بعض علماء الإجتماع الأوائل تكون على ثلاثة أقسام: السلطة التقليدية، السلطة العقلية – الشرعية، السلطة الكرزماتيكية. في السلطة التقليدية، يبرر أصحابها بأن نظامهم يعتمد على نُظم كانت معتمدة في الزمن السابق، وهي شرعية كما يعتقدون، وما هُم إلا امتداد طبيعي لها، وإنَّ الجماعة التي تخضع لهذه السلطة تُطيع تعليماتها وأوامرها بسبب شرعيتها التاريخية. أما السلطة الشرعية – العقلية فإنها تعتقد بأن أنظمتها وأحكام السلطة تتم عن طريق الأحكام القانونية العامة النافذة. في حين ترى السلطة الكرزماتيكية، أنَّ شخصية الأفراد الساحرة والقابليات الفذّة والمزايا المقدّسة هي مَن تحدد صلاحياتهم للدوَرفي السلطة.
من هذا التقسيم لشرعية السلطة بأقسامها الثلاثة، يمكن الملاحظة بأنَّ أحكام السلطة وقوانينها وطرق تنفيذها، كلّها تعتمد على الاعتقاد الجازم بقوّة شرعيّة مطلقة ونهائية، قد تكون الله جل جلاله أو المؤسس أو القانون النافذ أو إرادة الشعب، وإنها بهذا الاعتقاد تجعل من مرجعياتها مصدراً مقدّساً، مع ملاحظة أنَّ السلطتين: التقليدية والعقلية – الشرعية يكون اتصالهما بالمصدر المقدّس هو اتصال غير مباشر، بينما تكون علاقة السلطة الكرزماتيكية بالمصدر مباشرة.
في العصور الحديثة وبعد التقدّم العلمي والتكنولوجي الهائلين والتنازع الاقتصادي، وبعد أن مرّت المجتمعات بتجارب متعددة تحت وطأة السلطة والتسلّط بأنواعهما أدرك الإنسان أنَّ خلاصهُ كامن في السلام والحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية وضمان العيش الكريم، بعيداً عن الصراعات التي تقوّض وجوده ومستقبله، وإن َّ شرعية السلطة لا تتحقق إلّا بخدمته وتحقيق تطلعاته.