ميادة سفر
يعيد عادل محمود الشاعر والروائي السوري تجميع يومياته التي كتبها على صفحته على «الفيسبوك» طيلة سبع سنوات من الحرب السورية، ليؤرخ بها تاريخاً لوطن أرهقته الأوجاع والآلام، باحثاً عن أملٍ قد يكون مستحيلاً في ظل ما يحدث.
تحت عنوان «خيانة المستحيل» صدرت يوميات عادل محمود عن دار التكوين في دمشق، في محاولة كما يقول: «لقول رأي، وتحليل أحداث»، ليكشف للقارئ في مقدمة كتابه إدراكه واستشرافه منذ البداية لكل ما آلت إليه الأحداث لاحقاً، وبطبيعة الحال هذا أمرٌ ليس غريباً على الكتاب والأدباء والشعراء فلديهم حسهم القوي تجاه الأشياء عامة وأوطانهم ومجتمعاتهم خاصة، في وقتٍ انبرى آخرون لتلميع صورة ما يحدث والإيحاء وكأنها سحابة صيف عابرة، فيقول: «إذا كان لي أنْ أمتدح ما فعلت.. فقد يكفي أنني رأيت ما سيأتي قبل أنْ يأتي، وحذرتُّ مما نحن ذاهبون إليه، قبل أنْ تصبح الهراوات بنادق، والبنادق مدافع، والمدافع صواريخ عابرة للمحيطات».
تبدأ هذه اليوميات بعد عشرة أيام مما سمي (الثورة السورية) يقول الكاتب، أي في 25 آذار 2011 وتنتهي في 10 حزيران 2018، سبع سنوات يدون في عادل محمود أحداثاً أوجعته كما أوجعت الوطن، ويعلن مواقف ويقدم رغبات وأمنيات إنْ لم نقل نصائح، للخروج من الأزمة التي دخلت بها البلاد أو أدخلت فيها.
يأسف الكاتب وهو يكتب أولى يومياته للسهولة التي انزلقت فيها الأصوات المطالبة بالحرية نحو الطائفية يقول: «أقصر مسيرة حرية في الانزلاق إلى الطائفيَّة»، لكنه أيضا يدرك بأمله ومعرفته أنَّ «في سورية ما يكفي من العقل المتاح لمن يريد إرباك تجار الحرب»، معولاً على تلك العقول التي تدرك كما أدرك هو منذ البداية مكامن الخلل والضعف، مشيرا إلى إمكانية إصلاحه «أعطني كتيبة من الشرفاء، وسوف أهزم جيشاً من اللصوص»، هل كان يأمل بالمستحيل، فهناك في أحد أيام الحرب التي يدونها يتذكر الهزائم العربية التي ومن فرط تكرارها تحولت لـ «تصبح مهنة» يقول الكاتب، لكنّه وهو المولود مع استقلال سوريا عام (1946) عاصر حروباً وهزائم كثيرة يقول: «لم أقتل أحداً، وعشت سلماً لم يسعد أحداً».
وبالرغم من فظاعة المشهد ودمويته والازدياد المؤلم في أعداد الضحايا يحاول الكاتب التأكيد على استحالة إيجاد حلول ونشر الديمقراطية التي تنشدها الشعوب بقوة السلاح، فيقول ذات يوم: «السلاح يحمي الديكتاتوريَّة لبعض الوقت، ولكنني لست متأكداً أبداً أنّ السلاح يبني الديمقراطية في أي وقت».
وفي إشارة إلى المؤتمرات المتتالية التي عقدت لإيجاد حلٍ للأزمة السوريَّة، ولأنه يؤمن أنّ الحل يجب أنْ يخرج من هنا يقول: «عاصمة المصالحة الوطنية: أي مقهى في دمشق، وليس أي جنيف في العالم»، داعياً في كل مناسبة لإيقاف القتل ففي عيد الأم ذات سنة لن يوجه رسالة للأم بل هي رسالة للمقتتلين على الأرض السورية يقول: «تريدون تقديم هدية للأم في عيد الأم؟ لا تقتلوا ابنها!».
نقرأ في هذه اليوميات الكاتب والروائي عادل محمود بكل وجعه وانكساراته وهزائمه وأمله الذي لا ينضب «اليوم ذكرى مرور خمسين سنة على أول أمل، ما زلت أجرجر قدميه ورائي، خلف عربة زمن متصدعة. لا أنا أيأس، ولا هو يندم».
مدونة في كتاب يمكن أنْ تنهي قراءته في جلسة واحدة، ويمكن أنْ يظلّ مرافقاً لك تعود إليه إنْ احتجت للأمل أو فاض بك الحزن والألم، ليختم الكاتب بأنّ «أفضل أنواع الرحيل، الإقامة».