وجدان عبدالعزيز
هل يوجد صراعٌ بين النص والنقد؟، أم يوجد تكاملٌ وتوجه الاثنان نحو المعنى من أجل تهذيب الذائقة الجماليَّة للمتلقي؟، لا بُدَّ لنا كي نجلي الموضوع بحيادية أنْ نركز على العلاقة المتواشجة بين الاثنين، فالنص الأدبي هو تعاملٌ غير عادي ورقيقٌ مع اللغة، يخرجها من العادية والابتذال الى حالة من الانتقاء والخصوصيَّة، لذلك ليس لأي أحد الوصاية على أيّة كتابة تخرج من دائرة الاستعمال العادي للغة، لماذا؟، لأنَّ جمال اللغة شيء واسع، أوسع بكثير مما يتصوره البعض، فلا نجعل أنفسنا أوصياءً على الأدب، كون الأدب حالة جماليَّة مدخرة في أذهان المبدعين، من هنا بدأت مدارس النقد الحديثة تتجه، نحو البحث عن الجمال في الأشياء من دون التعرض الى التقييم، وتبقى الأسئلة تترى حول هذا الأمر، كون ما هو موضوعي جدي هو البحث عن النموذج والمثال والمهارة، وليس التقييم والوصاية، فالتحدث عن النص المبدع يكمن في بيان مستويات الكتابة الأدبيَّة، وبمعنى أدق مستويات الكتابة الإبداعيَّة، إذ يعدُّ النص الإبداعي، هو مستوى رفيع ومهاري من التعامل الرقيق مع اللغة، ومن ثم تكمن وظيفة النقد الأدبي إجمالاً معاينة النص، ويعني ذلك تحليله وبيان مواطن الفنية والإبداع فيه، ومن هنا نتج لدينا فرعان رئيسان في النقد: الأول الواقعي ويرى أنَّ الأدب ظاهرة اجتماعية وأنَّ العلاقة وثيقة بين الأدب والمجتمع، بينما الاتجاه الثاني جمالي، إذ يرى أنَّ الأدب عمل متفرد، وفيه الاهتمام منصبٌّ على بناء النص وخصائصه، وبرز فيه النقد الألسني، أي ضمن النقد الجمالي، ولكن كلا الاتجاهين يلتقيان في تكاملهما، فالنقد الواقعي وهو النقد الاجتماعي يدعي تشخيصه للأنظمة الجماليَّة، والنقد الجمالي يدعي تشخيصه للأنظمة الفكريَّة، ومن أهم الأسس النقديَّة هي التخصصيَّة، والموضوعيَّة والحياديَّة، وسعة الاطلاع، وهنا التقيا النص والنقد معاً على مائدة الأدب الجماليَّة.. والعلة إنَّ الكتابة الأدبيَّة أولاً وأخيراً هي محاولة إبداعيَّة في اللغة، أي هي استعمال غير عادي لها يرتكز على البعد الفني فيها، ولأجل تحقيق هذه الغاية لا بُدَّ من توفر قدرة وإمكانيَّة في جهة أدبيَّة الأدب وتجنيسه، بمعنى محاولة وضع حدود إجناسيَّة لا تحده بالضرورة ضمن جغرافيَّة معينة، إنما تضعه في مسمى سردي أو شعري، فالسرد عالم، والشعر عالم آخر، لكنهما في كوكب واحد يتغذيان ويتنفسان في فضاءات اللغة، فلا غرو أنهما يتشابهان ويلتقيان في نقاط كثيرة.
ولا بُدَّ لنا أنْ نؤشر الى أزمة في النقد، وهي أزمة في النص أيضاً، والإشارة تكمن في حالة التبشير النقدي نحو لغة النخبة، إذ جعلت العمل الإبداعي يقطن في قلاع عاجيَّة عالية، وكوكب آخر بعيد عن الواقع، كما هي حال الكتابة النقدية البعيدة عن أدوات الفهم الثقافية، التي ربما تطال القارئ المميز أيضاً، حتى صار أدب نخبة النخبة، وتحققت عزلة مطبقة من جهتي العمل الفني ومفسره النقدي، وبالتالي ضاع المشروع الثقافي العربي، وظل قابعاً في منطقة أدب النخبة، بعيداً عن رحلات التطور والشبابيَّة..
فلا بُدَّ من المناقشة والتجريب وقبول الاجتهادات والاستقراء، كي تتبلور نظرية نقدية تستوعب إرهاصات الحداثات المتجددة..