عقودُ الخدمة النفطيَّة لجولات التراخيص من وجهة نظر أخرى

منصة 2021/06/03
...

  عبد المهدي العميدي *
كثر الحديث عن عقود الخدمة النفطيَّة التي أبرمتها الشركات الاستخراجيَّة لوزارة النفط مع الشركات الأجنبية المقاولة. 
تتناول هذه المقالة واحداً من أهم الموضوعات التي طالما كانت وما زالت أحد أسباب التشهير بعقود الخدمة النفطيَّة، ألا وهو تحويل أو تغيير عقود الخدمة النفطيَّة الى عقود مشاركة بالإنتاج، ولكن بالشروط الماليَّة ذاتها لعقود الخدمة من حيث الربح المتحقق للشركات المقاولة الذي حصلت عليه طيلة فترة تنفيذها لعقود الخدمة لحقول جولتي التراخيص الأولى والثانية ولفترة السنوات العشر الممتدة من 2010 الى 2019، أي سيتم الاستناد على أجور الربح المنصوص عليها في عقود الخدمة لكل حقلٍ من الحقول لحساب نسبة المشاركة في نفط الربح المكافئةِ لها في عقود المشاركة بالإنتاج لأغراض المقارنة بين النوعين من العقود. إذ سيتم توضيح الملامح العامة لنوعي العقود والفروقات بينهما واحتساب النسبة المئويَّة في نفط الربح في عقد المشاركة بالإنتاج (Production Share المكافِئة لأجر الربح في عقد الخدمة (Remuneration Fee).
 
أولاً. المقارنة بين عقود الخدمة وعقود المُشاركة بالإنتاج.
1. التدفق النقدي.
يوضح الشكل رقم (1) التدفق النقدي في عقود الخدمة.
 
 
أما التدفق النقدي في عقود المُشاركة بالإنتاج فيوضحها الشكل رقم (2) 
 
2. الملامح الأساسيَّة لعقود الخدمة وعقود المُشاركة بالإنتاج.
هذه المُقارنة بين عقود الخدمة وعقود المُشاركة بالإنتاج تقتصر على الملامح العامَّة الأساسيَّة، ولا تنصرف الى أحكام وشروط العقود نفسها؛ لأنَّ ذلك يحتاجُ الى وقتٍ طويلٍ ومجالٍ أوسع، فضلاً عن عدم إمكانية الإحاطة بجميع الأحكام والشروط التي تختلف من عقدٍ لآخر حتى وإنْ كان من النوع نفسه. ويُبيِّن الجدول أدناه هذه المًقارنة.
 
الجدول رقم (1): مُقارنة بين عقود الخدمة وعقود المُشاركة بالإنتاج.
 
من الجدول رقم (1) يتضح أنَّ عقود الخدمة هي الأفضل بالنسبة الى الحكومة العراقية ووزارة النفط، ليس من الجانب التجاري والفني وإدارة وتنفيذ العقود فحسب، بل لكونها تنسجم مع أحكام الدستور العراقي لسنة 2005 في ما يتعلق بملكيَّة الثروة البتروليَّة (النفط والغاز) للشعب العراقي سواءً في باطن الأرض أو فوق سطحها.
 
ثانياً. عقود الخدمة من وجهة نظر أخرى
هناك البعض من الذين يروْنَ أنَّ عقود الخدمة لجولات التراخيص لم تُحقق المصلحة العليا للشعب العراقي. وتماشياً مع وجهة نظر هؤلاء سوف نُجري عملية افتراضيَّة لتحويل عقود الخدمة الى عقود مُشاركة بالإنتاج بالاستناد الى أجر الربح في عقود الخدمة لكل حقلٍ من حقول جولتي التراخيص الأولى والثانية لحساب النسبة المئويَّة المُكافئة في نفط الربح (Profit Oil) لكل أجر ربح، وكذلك حساب النسبة الإجماليَّة في نفط الربح المُكافئة لأجور الربح الكلية التي تسلمتها الشركات الأجنبيَّة المقاولة في جميع الحقول. ولهذا الغرض ينبغي الاطلاع على العائدات المالية الناجمة عن الإنتاج، أجور الربح الكلية التي تسلمتها الشركات والكلف الكلية المُتكَبدَة التي أفرزتها عملية تنفيذ عقود الخدمة لجولتي التراخيص الأولى والثانية للسنوات العشرة الماضية (2010 – 2019).
 
الجدول رقم (2): المعلومات لجميع الحقول. 
وبالعودة الى الشكل رقم (2)، وباعتماد النموذج التجاري لعقد المُشاركة بالإنتاج الموضَحْ فيه (باستثناء الريع لعدم وجود نظيره في عقود الخدمة) سوف نقوم بحساب نسبة حصة الشركات (المقاول) في نفط الربح.
نفط الربح (Profit Oil): يعني أو يُكافئ المُتبقي من العائدات المالية للإنتاج الكلي بعد طرح نفط الكلفة (الكلفة الكلية). 
نفط الكلفة (Cost Oil): يعني أو يساوي الكلفة الكلية.
وبذلك يكون:
نفط الربح لجميع الحقول = 653,3 – 83,3 = 570 مليار دولار، أو ما يُكافئه من النفط الخام.
نسبة حصة المُشاركة في نفط الربح لجميع الحقول = أجور الربح الكلية ÷ نفط الربح.
نسبة حصة المُشاركة في نفط الربح للمقاول لجميع الحقول = 12,2 ÷ 570 = 2,14 % . 
علماً أنَّ أجور الربح البالغة (12,2) مليار دولار تتضمن أرباح الشركات الأجنبية والشركاء الحكوميين والضريبة. وبعد استبعاد أو استقطاع حصة الشركاء الحكوميين والضريبة من أجور الربح الكلية، فإنَّ المُتبقي هو عبارة عن أجور الربح للشركات الأجنبيَّة فقط، وتكون:
نسبة حصة المُشاركة في نفط الربح للشركات الأجنبية فقط لجميع الحقول = 7,1 ÷ 570 = 1,25 %. 
هذا لجميع حقول جولتي التراخيص الأولى والثانية إضافةً الى حقل الأحدب بشكل إجمالي. ولغرض معرفة حصة المُشاركة لكل حقل من الحقول بشكل منفرد، ندرج المعلومات عن هذه الحقول في الجدول رقم (3).
 
الجدول رقم (3): المعلومات لكل حقل من الحقول.
 يُلاحظ في الجدول رقم (3) وجود فرق بين المجموع للعائدات المالية الكلية، الكلفة الكلية والربح الكلي في هذا الجدول والجدول رقم (2). ويعود السبب في ذلك الى أنَّ الجدول رقم (2) يشمل معلومات حقول السيبة، الفيحاء، القيارة وشرقي بغداد إضافةً الى الحقول في هذا الجدول.
 
نسبة حصة المُشاركة في نفط الربح للمقاول لجميع الحقول = 12,112 ÷ 569,073 = 2,13 %. 
وهذه النسبة مُماثلة للنسبة المحسوبة من معلومات الجدول رقم (2).
 
نسبة حصة المُشاركة في نفط الربح للشركات الأجنبية فقط لجميع الحقول = 7,013 ÷ 569,073 = 1,23 %.
وهذه النسبة مُماثلة أيضاً للنسبة المحسوبة من معلومات الجدول رقم (2).
 
وتكون حصة المُشاركة للمقاول وللشركات الأجنبية في نفط الربح لكل حقل كما في الجدول رقم (4). وتكون طريقة الحساب لحصة المُشاركة لحقل الرميلة أنموذجاً لها.
الرميلة (للمقاول) = 4,2 ÷ (314,4 – 19,3) = 1,4 %.
الرميلة (للشركات الأجنبية فقط) = 2,673 ÷ (314,4 – 19,3) = 0,91 %.
 
الجدول رقم (4): النسب المئوية لحصص المُشاركة بالإنتاج لكل حقل من الحقول.
 
ويمكن ملاحظة ما يلي من الجدول رقم (4):
1. المقاول هو عبارة عن ائتلاف الشركات الأجنبية والشريك الحكومي العراقي.
2. لا يُمكن حساب حصة المُشاركة لحقل بدرة وذلك لعدم تسلم المقاول أجور الربح والسبب في ذلك هو عدم استرداد الكلف الرأسمالية والتشغيليَّة لحينه، حيث يشترِط العقد أنْ يتم تقاضي أجور الربح من قبل المقاول بعد استرداده للكلف.
3. إنَّ أعلى حصة مُشاركة للمقاول هي في حقل الغراف والتي تبلغ (4 %).
4. حصة المُشاركة لحقل الأحدب هي الأعلى. ويعود السبب في ذلك الى أنَّ العقد الأصلي لحقل الأحدب كان عقد مُشاركة بالإنتاج وكانت نسبة حصة المُشاركة مُساوية الى (11,7 %)، ولكن هذا العقد تم تحويله الى عقد خدمة وتغيير هذه النسبة الى أجر ربح مُكافئ مقداره (6) دولارات لكل برميل مُنتج. 
5. يوجد اختلاف بسيط في معلومات أجور الربح الكلية وأجور ربح الشركات وكذلك الكلفة الكلية بين الجدولين (2) و(3) كون أنَّ الجدول رقم (2) يتضمن معلومات جميع الحقول بما فيها حقل السيبة الغازي وحقل الفيحاء (الرقعة رقم 9) والتي تُضيف قليلاً الى الإنتاج والكلف وأجور الربح.
6. إنَّ المعدل الحسابي للنسب المئوية لحصص المُشاركة للمقاول يساوي (3,2 %) لجميع الحقول. أما المعدل الحسابي للنسب المئوية للشركات الأجنبية فقط فيساوي (1,73 %). وكلاهما أعلى من النسبة المئوية المحسوبة من معلومات الجدولين (2) و(3) وذلك بسبب حصة المُشاركة لحقل الأحدب.
والى المدى الذي تتوفر لدينا المعلومات عن عقود المُشاركة بالإنتاج، فإنَّه وفي جميع الدول النفطيَّة التي أبرمت عقود مُشاركة بالإنتاج لم تكن نسبة حصة المُشاركة بالإنتاج (أي في نفط الربح) أقل من (10 %) في أيٍ من هذه العقود وبغض النظر عن النموذج التجاري في العقد من حيث وجود الشريك الحكومي، الضريبة، الريع ومكافأة التوقيع أو مكافآت الإنتاج، في حين أنَّ نسبة المعدل الحسابي لحصص المُشاركة بالإنتاج للمقاول ولجميع عقود الجولتين الأولى والثانية هي (3,2 %) وهي أقل بكثير من النسب المُتعارف عليها في عقود المُشاركة بالإنتاج. 
ولو أجرينا الحسابات بشكل معكوس بافتراض أن نسبة حصة المُشاركة في نفط الربح تساوي (10 %) لكل حقل من الحقول (وهي الأقل)، لكان المقدار الكلي لأجور الربح للمقاول كما في الجدول رقم (5).
الجدول رقم (5): أجور الربح الكلية للمقاول بافتراض نسبة حصة المُشاركة (10 %) في نفط الربح.
 
 
ما يُلاحظ من الجدول ما يلي:
1. أجور الربح الكلية لحقل الأحدب أقل مما هي عليه في عقد الخدمة الحالي وذلك لأنَّ النسبة التي تم حسابها في الجدول رقم (3) هي (11 %) وليس (10 %) وللسبب الذي تم توضيحه.
2. المجموع الكلي لأجور الربح يساوي (56,647) مليار دولار ويُعادل أكثر من (4,5) أضعاف أجور الربح الكلية التي دفعتها وزارة النفط بموجب عقود الخدمة (الجدول رقم 2). 
وحيث إنَّ أجور الربح الكلية (مُتضمنةً أجور الشركات الأجنبية والشركاء الحكوميين والضريبة) البالغة نحو (12,2) مليار دولار التي دفعتها وزارة النفط كانت لفترة عشر سنوات (جزءٌ قليل منها لحقلي السيبة والفيحاء)، فإنَّ أجور الربح الكلية المحسوبة لنسبة مُشاركة مقدارها (10 %) في نفط الربح تغطي فترة (45) سنة. 
في عقود جولة التراخيص الأولى الخاصة بالحقول المُنتجة (الرميلة، الزبير، غرب القرنة/ 1 وميسان) ينبغي التفريق بين الإنتاج الأساس لهذه الحقول، وهو الإنتاج قبل إبرام العقود، وبين الإنتاج الإضافي أو الزيادة بالإنتاج التي تحققت بعد تنفيذ العقود. حيث إنَّ نسبة الزيادة بالإنتاج تصل الى (61 %) من الإنتاج الكلي (وهو مجموع الإنتاج الأساس والزيادة بالإنتاج). وقد بلغت العائدات المالية للزيادة بالإنتاج (231,713) مليار دولار، والكلفة الكلية (43,941) مليار دولار، في حين بلغت أجور الربح الكلية المدفوعة الى الشركات المقاولة لعقود جولة التراخيص الأولى (7,528) مليار دولار (الأجور تشمل الشركات الأجنبية والشركاء الحكوميين والضريبة). وهنا لا بُدَّ من معرفة أنَّ الكلفة الكلية هي جميع المصاريف والنفقات التي تكبدها المقاولون لإعادة تطوير هذه الحقول شاملةً الإنتاج الأساس والزيادة بالإنتاج، بينما أجور الربح الكلية التي تم دفعها هي عن الزيادة بالإنتاج فقط. ومن أجل حساب نسبة المُشاركة في نفط الربح لهذه الحقول المُكافئة لأجور الربح الكلية يتم تطبيق العملية الحسابية السابقة ذاتها مع الأخذ بنظر الاعتبار ما تم توضيحه بشأن الكلفة الكلية وأجور الربح الكلية، إذ ستكون نسبة المُشاركة المحسوبة أكبر من النسبة الحقيقيَّة؛ لأنَّ الكلفة الكلية هي أكثر من الفعليَّة.
نسبة المُشاركة في نفط الربح = أجور الربح الكلية ÷ (العائدات المالية للزيادة بالإنتاج – الكلفة الكلية)
نسبة المُشاركة للمقاول في نفط الربح = 7,528 ÷ (231,713 – 43,941) = 4 %.
ويُلاحظ مرةً أخرى أنَّ هذه النسبة قليلة وهي بحدود المعدل الحسابي لنسبة المُشاركة لكافة حقول الجولتين الأولى والثانية والبالغة (3,2 %). 
إنَّ عقود الخدمة التي وقعتها شركات وزارة النفط هي الأفضل من بين جميع عقود الخدمة النفطية وعقود المُشاركة بالإنتاج التي أبرمتها غالبية الدول النفطية. ويُعدّ هذا أوضح دليلٍ على بطلان مُطالبة البعض بتحويل عقود الخدمة الى عقود مُشاركة بالإنتاج.
 
* المدير العام السابق  لدائرة العقود والتراخيص البترولية /
 وزارة النفط.