د.قيس العزاوي
لم تعد إسرائيل وحدها تحتكر القوة التدميرية في الشرق الأوسط، فقد امتلكها وجربها بقوة الفلسطينيون في الحرب الأخيرة، وهذه حقيقة جعلت مراكز التفكير الغربية منذ وقف اطلاق النار وحتى اليوم لم تتوقف عن دراسة وتحليل وتمحيص ما حدث في أحد عشر يوماً من القتال بين إسرائيل والفلسطينيين. لقد جرت الاستعانة بالخبراء العسكريين والسياسيين المخضرمين والستراتيجيين وصناع القرار لمعرفة ما آلت إليه حالة الدولة الأنموذجية التي يتغزلون بها صباح مساء، صاحبة الجيش الذي لا يقهر والأفضل تسليحاً المزود بأتقن تكنولوجيا وارفع مستوى علمي وتقني؟، الانشغال الغربي لا يتعلق بأمن إسرائيل فحسب وانما بوجودها كقوة غربية في الشرق الأوسط. في أخر تقرير لمعهد واشنطن بعنوان: تقييم عسكري للصراع بين إسرائيل و»حماس” قام به كل من غرانت روملي الخبير في الشؤون العسكرية والأمنية في الشرق الأوسط في «معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى»، والمحلل السياسي الباحث في معهد واشنطن نيري زيلبر نجد الاعتراف الخطير التالي وهذا نصه: «خاضت “حماس” مجدداً مواجهة مع أقوى جيش في الشرق الأوسط ونجت «من الهجمات الإسرائيلية»، وأطلقت صواريخ بمعدل أكبر ومدى أوسع من أي خصم إسرائيلي آخر، وقلبت الحياة اليومية رأساً على عقب في إسرائيل «من جنوبها وحتّى شمال مدينة نتانيا»... ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية التأكيد الآتي: «للمرة الأولى منذ حرب غزة عام2014 تتعرض إسرائيل لهذا الحجم من الأضرار: منازل مهدمة، وسيارات مدمرة، وإصابة منشأة نفطية. أما صحيفة «ذي واشنطن بوست» فقد أشارت الى « أن إسرائيل تتكبد خسائر سياسية ودبلوماسية، واستمرار هجماتها على قطاع غزة سيتسبب في مزيد من الأضرار لعلاقات إسرائيل بالولايات المتحدة، وفي تمزق النسيج الاجتماعي الإسرائيلي المتكون من عرب ويهود». وبالفعل فثورة فلسطينيي الداخل تجعل القوة الإسرائيلية تتآكل وتثير حفظة
الغرب.
ما الذي تعنيه هذه التقديرات؟، وكيف لنا تقديم تقويم واقعي لانعكاسات الحرب الأخيرة بين إسرائيل والفلسطينيين؟، سنحاول ذلك بالإشارة الى الحقائق الآتية:
أولاً: انها المرة الثانية بتاريخ إسرائيل التي تتعرض فيها لتهديد وجود: الأولى كانت من مصر في حرب العبور، والثانية مؤخراً من فلسطينيي غزة والضفة وفي داخل إسرائيل، ويتعاظم الرعب الإسرائيلي من الثالثة. فلم تعد إسرائيل تحتكر وحدها القوة التدميرية في الشرق الأوسط وتهدد أمن من تشاء. أصبح للفلسطينيين قوتهم القادرة -كما ذكرت المصادر الغربية- على التحدي والتصدي، فحسب تقرير معهد واشنطن فإن غزة اطلقت 29 صاروخا يومياً عام 2009، واطلقت 187 صاروخا يومياً في عام 2012 واطلقت 390 صاروخ يومياً عام2021 ، وتذكر مصادر إسرائيلية اطلاق3 آلاف صاروخ أسبوعيا بمعنى425 صاروخا يومياً.
ثانياً: النهاية المأساوية لخرافة نتتياهو وترامب وغيرهما حول تصفية القضية الفلسطينية، هذا بالنص ما قاله سفير إسرائيل السابق في باريس «ايلي برنافي» لصحيفة «ليبراسيون» مؤخراً. فإذا ما نجحت إسرائيل بدعم غربي بوصف المقاومين الفلسطينيين بالارهابيين فإنها ذاقت مرارة فشلها عندما خرج فلسطينيو الداخل وهم مواطنون إسرائيليون ضدها ووصفوها بالدولة الإرهابية. وتعكف اليوم قوى غربية عدة أميركية وألمانية وفرنسية وسويسرية على جدوى التفاوض مع هؤلاء المقاتلين!
ثالثاً: تزايد التعاطف الدولي مع الفلسطينيين وفهم قضيتهم العادلة واحقيتهم بارض وطنهم وبقيام دولتهم المستقلة، وتكذيب الروايات الإسرائيلية. فقد كتبت صحيفة «لوفيغارو» تقول إن «الضربات الإسرائيلية التي تهدف لوقف صواريخ حماس تسببت بنزوح 40 ألف فلسطيني!». اما صحيفة «ليبراسيون» فقد سلطت الضوء على «أطفال غزة في مواجهة إرهاب القنابل» كما عنونت مقالها «ليلة الجحيم غير المسبوقة التي عاشتها غزة في نهاية الاسبوع» ومشاهد «الأجساد الصغيرة التي تم استخراجها من تحت الركام».
تلك هي بعض انعكاسات ثاني حرب يستنجد فيها الإسرائيليون العون والنجدة الغربية: الأولى كما ذكرنا حرب العبور عام 1973 وهذه هي الثانية التي أقلقت الغرب بأسره وأرعبت الإسرائيليين. حقائق نذكرها ونشير لجدتها وجديتها وخطورتها القصوى على وجود إسرائيل، فالمهاجرون اليهود الذين هربوا من مدينة اللد أفواجا خوفا من غضب فلسطيني الداخل يمكن ان يعودوا الى اوطانهم بكل وقت خوفا من غضب الصواريخ!