أ.د.عامر حسن فياض
في عراقنا المثقل بالازمات والطاعن في التأزم، يتوهم البعض ان ولادة الدولة الديمقراطية ستنبثق من سقوط الدكتاتورية، كما هو حال اعادة اقامة الدولة في ألمانيا بعد سقوط النازية، وفي ايطاليا بعد سقوط الفاشية، او كما هو حال اقامة الدولة في اليابان بعد عام 1945. وفي كتابه الذي يحمل عنوان «ستمرار التاريخ» يطرح الدبلوماسي الفرنسي «هومير فيندرين» القول «ان على الغرب التشجيع على الديمقراطية من دون السعي الى فرضها «فالديمقراطية» ليست نسكافيه!». اي ليست قهوة فورية الصنع على رأي الكاتب المكسيكي « اوكتافيو باز» اي ليست بسيطة او سهلة او خطية او احادية الاتجاه. إن الصراع على بناء الدولة العراقية هو في جوهره صراع على هويتها، ومن يكسب هذا الصراع هو، في النهاية، سيكون الاقدر على تحديد فلسفة الدولة، ومن ثم هويتها، وطالما ان الهوية العراقية قد اتسمت بالسيولة التامة في ظل الاحتلال الاميركي، فإنها يسرت الذهاب الى ملاذات اخرى بديلة للهوية الوطنية، الامر الذي ادى الى انتعاش الهويات الفرعية التي لا تستحق اي منها ان تصبح هوية سياسية للعراق مثل القبلية الاثنية الطائفية...
الخ.
إن هذا الخلاف بشأن الهوية، وغياب وجود هوية دولة عراقية ديمقراطية او هوية دولة ديمقراطية عراقية، وضعف العقيدة الوطنية العراقية، وضعف تجانس الشعب في العراق، من شأنها ان تخلق شرخا بين مكونات المجتمع العراقي، لاسيما اذا ما وظف التنوع توظيفا سلبيا غير بريء من قبل القوى الخارجية والداخلية المناوئة للعملية السياسية. وفي هذا الصدد نقول إن العراق يشكو من قلة العراقيين، ونحن في هذا الحكم القاسي لا نقصد قلة عدد سكان اقليم اسمه العراق، انما نقصد ضعف ولاء العراقيين للدولة العراقية كدولة؛ ومصداقية هذا الضعف وجود كثرة من قوى الداخل والخارج صدعت رؤوسنا بصراخ كلامي عن حرصها على بناء الدولة بينما اثبتت بأفعالها تخريب حتى الامل بتحقيق حلم الدولة في العراق.
بكل الاحوال في العراق ليس هناك دولة فاشلة بل ان العراق كان ومايزال لمدة 100 عام يعيش مرحلة ماقبل حالة الدولتية مصحوبة بنوايا طيبة لدى القلة للعمل من اجل بناء الدولة الحديثة. وهذه القلة لاتراهن على انقلابات تبني دولة ولا على احتجاجات بلا جدوى ولا على الاجنبي البراني، بل ينبغي ان تراهن على الانتخابات ومواصلة الانتخابات. ان هذه الآلية التي لابديل عنها لبناء دولة حديثة تثبت مصداقية ان عملية بناء الدولة الحديثة هي مسارات وليست قرارات وهي عملية صيرورات وتراكمات وليست مفاجآت، وهي عملية تتحكم بها قوانين وجدليات وليست نزوات
ورغبات.