المحكمة الاتحاديَّة وحصانة النوّاب

آراء 2021/06/08
...

 سلام مكي
 
أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا المرقم 90/ اتحادية/ 2019 الذي قالت عنه وسائل الاعلام بأنه تضمن مبدأين جديدين، عدّلت المحكمة بموجبه عن مبدأين سابقين لها، الأول يخص حصانة أعضاء مجلس النواب والثاني يخص مفهوم الأغلبية. أثار جدلا بين أوساط مختصة وإعلامية، كون قرارات المحكمة الاتحادية باتة وملزمة. أحد المختصين في مجال القانون والذي يظهر غالبا في الفضائيات ومواقع التواصل الاجتماعي، اعترض كثيرا على قرار المحكمة الاتحادية أعلاه، وأعد أن مفردة عدول المحكمة الاتحادية عن قرارتها السابقة في ما يخص الحصانة وتفسير مفهوم الأغلبية أمرا مخالفا للدستور، لأن المادة 94 منه نصت على أن قرارات المحكمة الاتحادية العليا باتة وملزمة للسلطات كافة! وهذا يعني حسب تفسير السيد المختص أنه لا يجوز للمحكمة أن تعدل عن رأي سابق لها، مهما كانت الدوافع والأسباب، ومشروعية العدول ومدى تحقيقه للمصلحة العامة ولحسن تطبيق القانون، بل اهتم بمسألة واحدة فقط وهي أن المحكمة الاتحادية خالفت المادة 94 من الدستور، لأنها أعدت أن العدول عن مبدأ قانوني يعني أن قرار المحكمة الاتحادية ليس باتا! في حين أن المشرع، حين أعد أن قرارات المحكمة الاتحادية باتة، بمعنى عدم إمكانية الطعن بها، وإن ما يصدر منها غير خاضع للطعن مثله مثل باقي القرارات التي تصدرها المحاكم الأخرى التابعة للسلطة القضائية، إذ إن المشرع أدرك خصوصية المحكمة، وعدم إمكانية إيجاد طريق طعن بأحكامها لأنها المحكمة العليا والتي لا توجد محكمة أعلى منها. فلو وجد طريق طعن بأحكامها، لكانت هنالك محكمة أخرى أعلى منها، كي يتم الطعن بأحكامها. أما أن تقوم المحكمة بالعدول عن رأي سابق لها، فهو أمر لا يخالف الدستور مطلقا. ويمكن قياس القرارات التي تصدر من محكمة التمييز الاتحادية خصوصا من الهيئة الموسعة، والتي تكون قرارتها باتة أيضا ضمنا وفي بعض الأحيان صراحة، حيث لا يجوز الطعن بقرارات الهيئة الموسعة، لأنها الهيئة القضائية الأعلى ولا توجد هيئة أعلى منها. ولكن الهيئة وفي بعض الأحيان تعدل عن رأي سابق لها، متى ما وجدت مصلحة ما، أو متى ما وجدت تغيرا في الظروف والوقائع، ومتى ما توفرت لدى اعضائها القناعة التامة بأن تعديل رأي سابق ضرورة لا بد منها. وهذا الأمر لم يتطرق إليه السيد المختص في اعتراضه.
إن ما رأته المحكمة الاتحادية في قرارها الخاص بحصانة أعضاء مجلس النواب، يمثل نصرا كبيرا لجهود مكافحة الفساد، ويوفر جهودا ووقتا كبيرين على محاكم التحقيق وهيئة النزاهة في اتخاذ الاجراءات القانونية بحق المتهمين والذين لديهم قضايا فساد في محاكم التحقيق تنتظر الحسم، وتأخرت بسبب الحصانة. 
فقرار المحكمة، أطلق يد القضاء في محاسبة المتهين بقضايا الجنح والمخالفات، من دون الحاجة لمخاطبة مجلس النواب لرفع الحصانة عنهم، وهو أمر يستحق الاشادة والدعم لا الاعتراض
 والرفض.