عبد الحليم الرهيمي
استفاقت شعوب البلدان العربية، والعالم، صباح يوم 5 حزيران عام 1967 على قيام اسرائيل بعدوان اجرامي واسع النطاق على كل من مصر وسوريا والاردن، هذا العدوان الذي استمر لستة أيام «5 - 10 حزيران» عمدت اسرائيل الى تسمية حربها هذه بـ «حرب الايام الستة» والتي نتج عنها احتلال شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة الفلسطيني،وكذلك احتلال هضبة الجولان الستراتيجية السورية، فضلا عن الضفة الغربية الفلسطينية التي كانت قد ضمت الى مملكة شرق الاردن لتصبح «المملكة الاردنية الهاشمية».
لقد كانت هذه الهزيمة، من دون شك، مرة وموجعة هزّت بعمق وبقوة وجدان ومشاعر الشعوب العربية ضد اسرائيل، وضد الانظمة السياسية التي عجزت عن توفير أسباب الدفاع عنها، وعن بلدانها، بل وعن توفير الحرية والأمان والحياة الكريمة لشعوبها.
ربما يكون احد اسباب هذه الهزيمة والذي كشف بشكل مبكر هو ما عبر عنه مذيع اذاعة «صوت العرب» الأشهر احمد سعيد الذي شغل فضاءات البلدان العربية بصوته وانفعالاته الهابطة طيلة فترة الستينيات من القرن العشرين المنصرم، ومنها عداؤه المر واساءاته الحاقدة غير المبررة على العراق وشعبه بعد حركة – ثورة 14 تموز – يوليو وعلى عبد الكريم قاسم وحكومته.
واستمراراً لهذا النهج الاعلامي المضلل والكاذب حتى المتشنج والمنفعل، اعلن احمد سعيد في اذاعة صوت العرب من صباح ذلك اليوم: لقد انتصرنا على اسرائيل وان جيشنا المنتصر يتقدم لتحرير ارض فلسطين وسيصل بعد ساعات الى القدس الشريف، ليصلي فيه المسلمون اليوم صلاة الظهر، هذا بينما كان الطيران الاسرائيلي قد دك نحو95 بالمئة من سلاح الطيران المصري وابقاه جاثماً على الارض، الذي وضعته القيادات الفاسدة مصفوفاً عليها ومن دون
غطاء!.
إنَّ ما يعنيه ذلك وبوضوح هو عجز القيادات العسكرية والسياسية في مواجهة العدوان، وان نداءات احمد سعيد الهستيرية والمضللة كانت تشير الى أحد الأسباب المهمة للهزيمة العسكرية المرة، إذ مارس هذا الاعلام المضلل لأحمد سعيد والمؤسسة الاعلامية عموماً تضليلاً واسع النطاق للشعب المصري، وشعوب البلدان العربية وهو سبب لا يزال للأسف يؤديه معظم الاعلام العربي بالتضليل وخداع الرأي العام، وتمجيد الحكام من دون الاكتراث لهموم ومشكلات
الشعوب. واذا كان الفساد والتخلف والعجز عن بناء انظمة سياسية تخدم شعوبها وتمكنها من مقاومة العدوان هو احد اسباب الهزيمة، فإن السبب المهم الآخر هو فشل قادة هذه البلدان في ادارة دفة الحكم وتقدير ما يترتب على سياساتها الخاطئة المتهورة تلك من فواجع، ومنها اقدام الرئيس المصري على اغلاق قناة السويس ومضائق تيران في وجه الملاحة الدولية والتي وفرت المبررات، التي انتظرتها اسرائيل وانصارها للقيام بذلك العدوان الغاشم بحجج وتبريرات مختلفة. وقد بقيت تلك الانظمة تصر على منطقها هذا حتى بعد الهزيمة، فبينما كان الرأي العام المصري والسوري والعربي يواصلون طرح الاسئلة عن أسباب ومقدمات الهزيمة، كانت تصريحات قادة مصر وسوريا تعد ما حصل «مؤامرة دولية» تريد اسقاط النظامين التقدميين مصر وسوريا والقضاء على «القومية العربية» الصاعدة التي يقودها عبد
الناصر؟!.
ولأن هذا الدرس جرى طمسه والتستر عليه فلم تستفد منه البلدان آنذاك، كما لم يستفد منه مثلاً نظام صدام الذي دخل حربين مدمرتين بقرارات حمقاء متهورة وهما: الحرب مع ايران «1980 - 1988» ثم غزو دولة الكويت وما ترتب على ذلك من نتائج كارثية، وهو درس لم يستفد منه ايضاً بعض القادة اللبنانيين والفلسطينيين، الذي اتخذ بعضهم قرارات متهورة وغير مدروسة تعود بالبلاء والدمار والفظائع على شعوبها
وقضيتها.
لقد اجرت التنظيمات السياسية والحزبية وعدد من المفكرين «مراجعات نقدية» لمعرفة ودراسة الاسباب الحقيقية لتلك الهزيمة، والتي كان من بينها كتاب «النقد الذاتي بعد الهزيمة» المثير للكاتب والمفكر السوري صادق جلال العظم، وقد ادت تلك المراجعات الى حصول انشقاقات واسعة في صفوف الاحزاب والتنظيمات القومية واليسارية والديمقراطية، لكنها لم تستطع التاثير الكبير في الواقع، وهو الامر الذي يتطلب نقداً صارماً واكثر جدية لاسباب الهزائم واسباب تخلف مجتمعاتنا واستنباط الدروس الحقيقية الصائبة منها، املاً في تعديل ممارسات تطورات الاوضاع في بلداننا
وشعوبنا.