أبناء «ابو روية».. الموت عطشا!

آراء 2021/06/10
...

 عبدالزهرة محمد الهنداوي
 
«ابو روية»، واحدة من القرى الكبيرة في محافظة كربلاء المقدسة، وتسكنها عشيرة «گريط» ولهذه العشيرة صيت وتاريخ مشرّف، بدءاً من مشاركة ابنائها في ثورة العشرين، مرورا بانتفاضة «خان النص» عام 1977، وانتفاضة اذار «الشعبانية» عام 1991، التي كادت ان تطيح بالنظام السابق، وصولا الى تلبية ابناء القرية لفتوى المرجعية الدينية، حيث قدمت القرية الكثير من ابنائها شهداءً ضمن فصائل الحشد الشعبي، في الحرب ضد عصابات داعش 
الارهابية.
وتحتل قرية «ابو روية» موقعا ستراتيجيا، بين ثلاث محافظات {كربلاء- بابل- النجف}، ما يجعلها تمثل مصدرا مهما من مصادر الانتاج الزراعي، للمحافظات الثلاث، وفعلا كانت القرية كذلك، لأنها تشتهر وتهتم بزراعة المحاصيل المهمة التي تمثل مكونات السلة الغذائية، وكان ابناؤها، ينعمون بحياة طيبة، وهم يمارسون مهنة اجدادهم، في الزراعة، ولم تبخل عليهم ارضهم بخيرها الوفير، ولكن بين ليلة وضحاها، تغير الحال، وادبرت الحياة، ولم يعد لحياة ابناء «ابو روية» اي طعم، بعد ان جفت الانهار، وامحلت الارض، فمات الزرع، ونفقت الماشية، وبات هم الناس هناك، هو البحث عن الماء بين طبقات الارض، فلجؤوا الى حفر الابار مقابل مبالغ كبيرة، الا ان المياه التي استخرجوها من باطن الارض كانت مالحة وغير صالحة لا للاستهلاك البشري ولا الحيواني، ولا حتى الزراعي، الامر الذي زاد من مأساتهم، الناشئة عن خطأ تسببت به وزارة الموارد المائية، التي لم تستطع معالجة المشكلة، فقبل نحو اكثر من عشر سنوات، شرعت الوزارة بمشروع تبطين الانهر، لتقليل الضائعات، وكان «شط ابو روية» المعروف، احد الانهار المشمولة بعملية التبطين، التي تأخرت لعدة سنوات، كان خلالها الماء مقطوعا عن القرية بالكامل، وعندما انتهت العملية، واستبشر ابناء القرية خيرا، كانت الصدمة اشد، فعملية تبطين الشط بالكونكريت، كانت اعلى بكثير من مستوى «شط ملّة» الذي يزوّد شط «ابو روية» بالمياه الواردة من الفرات «الهندية»، ومنذ ذلك الحين، وعشيرة «گريط» القاطنة على جانبي «شط ابو روية» لم تذق طعما للماء، وهي لا تبعد عن نهر الفرات، سوى عدة كيلو مترات، فكان ما كان من عظيم 
المأساة.
لم يستسلم ابناء القرية للحال، بل مارسوا كل انواع الضغوط، من التظاهرات الى الاحتجاجات، الى التهديدات، الى الوساطات، الى الشكاوى والمقترحات، ولكن كل ذلك لم يغير من الحال شيئا، فالقرية، باتت تلفظ انفاسها الاخيرة، وبحاجة الى تدخل عاجل وطارئ لينقذها من الموت 
المحقق.
أليس غريبا أن تموت قرية بكاملها عطشا، في بلاد وادي الرافدين؟!.