مهند الهلالي
يعرّف الحراك الشعبي ضد نظام او قرار سياسي ما بأنه (تعبير جماهيري رافض لقضية او قرار او سياسة معينة، ومحاولة شعبية للضغط على جهات محددة بهدف دفعها للتراجع عن خطوات قامت بها). وبالتالي فإن مثل هذا الحراك لا يتأثر بثوابت محددة، انما يأتي على وفق متغيرات تتعلق بطبيعة الناس واسباب غضبهم وخروجهم للمشاركة بهذا الحراك الذي يقسم بطبيعته الى ثلاثة اشكال رئيسة، اولها حراك شعبي موحد،
وهو يجمع الناس تحت شعار سياسي او ديني واحد، من خلال مشاركة جميع المؤمنين به ضمن فكرة واحدة تجمّعوا وتحرّكوا لأجلها ويقاتلون ضد من يهددها او يعمل خلافها. اما الشكل الثاني فيمثله الحراك الشعبي المطلبي او الخدمي، وهذا يجمع الناس على اساس تحسين واقع متخلف لأُمور يرونها من اساسيات الحياة ومتطلباتها مثل الخدمات الرئيسة او البنى التحتية للبلاد، إلا ان الاختلاف مع الشكل الاول يكمن في افكار المشاركين ضمنه، حيث لن تكون في الاغلب موحدة، بل متغيرة وخاضعة لظروف الفرد وانعكاساته الحياتية، إلا ان معاناة الجميع ومصالحهم اجتمعت في ذلك الحراك بهدف اعطائه زخما مؤثرا لتحسين واقع متراجع للدولة او المدينة او الكيان الاداري الذي شهدت شوارعه هذا التجمع الجماهيري.
اما الشكل الثالث للحراك الشعبي فهو يجمع متناقضات انسانية، الغاية منها تغليب مصلحة جهة سياسية على حساب مصالح الجهات الاخرى، وهذا النوع هو اقل الانواع تأثيرا كونه يكون اما مرتبطا بستراتيجيات خارجية، واما بدفع من احد قادة الرأي في البلاد لرفع مستوى اسهمه الداخلية، ويكون في الاغلب محدود الزمان والمكان وهو يهدف الى ايصال رسائل معينة والانسحاب فورا من ميادين التجمع.
ونظرا لاختلاف ابعاد التأثير والقدرة في التغيير، ولبعدها عن بعضها البعض ضمن شكل يصعب جمعه في مصب واحد، فأن على المطالبين بتغيير ما وايّا كان البلد الذي يعيشون فيه، عليهم ان يراعوا ذلك في حراكهم ضمن شكل يحقق الحد الادنى من مطالبهم، وعلى نحو يشكل عاملا ضاغطا يتم من خلال التخطيط المسبق للافعال وردّات الفعل وكيفية التعامل مع تلك الردّات، اي بمعنى ألا تكون المطالب مشتتة كما اسلفنا في الشكل الثاني من تلك التجمعات الغاضبة وتوحيدها او منهجتها، لتظهر موحدة بشكل لا يسمح للمراوغة او الالتواء عليها من القائمين على تلك الملفات لدى السلطة، كذلك الوعي الى خطورة الانسياق وراء الدعوات من جهات خارجية او سياسية للتجمع، بهدف اظهار موقف ما حتى لو كانت تلك الجهات تمثل اراء المتلقي، وهذا ما اشرنا اليه في ثالث اشكال الحراكات الشعبية، ولا ننسى ان نذكر ضرورة السعي خلال هذا الشكل مع الاحتجاج الى ابراز الرأي الذاتي اثناء الحراك لاخراج الكيان الشعبي من بوصلة الداعي له، ليكون الفرد خارج حسابات الصفقات المبرمة بين السلطة والجهات الداعية لهذا التجمع، وبالتالي ايصال رسالة مضادة للمرسل الرئيس، مفادها بأن جمهوره لن يكون اداة عمياء بيده على طول الخط، وان هناك متغيّرات قد تكسر الثوابت التي يتصور انها ترسخت لدى جماهيره.
ما تقدم نراه ضروريا لتذكير من يدركون هذه التفاصيل او لايضاح بعض التفاصيل الضرورية، وايصال رسالة مفادها بأن التجمع الشعبي بهدف ايجاد حراك جماهيري شعبي ضاغط، لا بد ان يكون مكتمل الجوانب لتحقيق الغاية المرجوة منه، في حين إن التحرّك العشوائي غير المدروس المبني على الفوضى ربما يقود البلاد الى حالة اكثر سلبية من تلك التي تم الحراك لتغييرها، وبالتالي فإن التراجع في وقت الازمات قد يفضي الى كوارث على المستويين السياسي والمجتمعي، بينما يقود التخطيط السليم الى تحقيق الاهداف وبأقل الخسائر، وهذا ما يطمح له العقلاء الذين نطمح ان يقودوا هكذا حراكات، وان لا تترك للناشطين او المناضلين البسطاء هؤلاء الذين يمثلون نبض الامة وامال ابنائها، حيث لم ولن نعتقد يوما بقصورهم في قيادة شعب ما إلا أننا نرى أن حماستهم وثوريتهم قد تجعل بعض نقاط الضعف تتسلل اليهم او الى مستويات ادراكهم احيانا فيفقدوا سبل التحكم ببوصلة الاحداث، ما يؤدي في نهاية المطاف الى فشل
حراكهم.