حارث رسمي الهيتي
لا شيء أكثر خطورة على المجتمعات من غياب العدالة، كما انها أبرز ما كان سبباً في ظهور الاديان والمعتقدات قديماً، والشغل الشاغل للحركات الاجتماعية التي تعصف بعالمنا اليوم، غياب العدالة هذه يدفع بنا نحو الانتقال الى مملكة الحيوان شيئاً فشيئاً
في الميثولوجيا اليونانية القديمة كانت العدالة مفهوماً محورياً ثبته الإله زيوس أو زوس، هذا الأخير حاكم الآلهة، كبيرهم وسيدهم في مجمع اوليمبوس الاغريقي، وميزته كانت انه الحاكم على كل المخلوقات التي تموت، المخلوقات غير الخالدة وبالأخص منها البشر، زيوس هذا كانت امه قد أخفته في جبل من جبال جزيرة كريت، أخفته كي لا يكون ضحية لوالده الذي اكل اخوانه الخمسة من قبله خشيةً من تمردهم عليه أو طمعاً في مركزه ومنصبه، أخفته كي لا يكون ضحية من ضحايا الصراع على
السلطة.
زيوس إعتقد ان الصراع والتنازع كفيلان باهلاك الجنس البشري، لذلك فقد حمّل رسوله الى الناس هرمس العدالة، وأوصاه ان يعلمها للناس بوصفها نظاماً مبدئياً للمدينة، وهنا سأله هرمس عن الطريقة التي سيشيع بها العدالة، هل يكتفي بتعليمها لبعض من الناس من دون الآخرين أم يجعلها للجميع؟.
حكمة زيوس هذا تكمن في جوابه لرسوله الى البشر، أن بلغها للجميع فحياة المدن لا تستقيم طالما بقيت الفضائل مثل العدالة حكراً يتمتع بها الخاصة دون غيرهم.
هنا أعود الى (لمحات اجتماعية من تاريخ الحديث) للراحل علي الوردي ونقرأ الرسالة التي بعثها القنصل الفرنسي في بغداد المسيو بونيون الى حكومته أبان ولاية سري باشا على بغداد
1890:
«إن التسيب هنا قد بلغ الأوج، فالسرقات متصلة وأعتقد ان مئتي حادثة قتل على الأقل قد وقعت منذ ثمانية أشهر في المدينة ولم يصدر أي حكم جدي في أي من هذه الجرائم، فإن الحكام يبيعون أحكام تخليص المجرمين
للمجرمين».