كوابيس ذهنيَّة

آراء 2021/06/14
...

 رعد أطياف
يعد الفيسبوك لمعظمنا منصة للمحرومين بكيفية معينة. وأعني بهذه الكيفية، هو الحرمان النفسي النابع من الشعور بعدم الاهتمام الزائد، وذلك أمر مؤلم على أي حال. وهؤلاء ربما يشكلون عدداً غير قليل في هذه المواقع. وبعبارة أخرى: 
 
إنها رحلة شاقة ومتعبة غايتها البحث عن التقدير. معظمنا تنطبق عليه هذه الحقيقة: نسعى للمزيد من اهتمام الآخرين بنا. بحدوده المعقولة قد يكون أمراً لا بأس به: فالمثقفون بشكل عام يسعون إلى توسيع رقعة الجمهور، لأنه ليس من المعقول أن يكتبوا لفراغ. لكن، وبشكل عام، لا نتساوى، معرفياً، بالمثقفين، فالغايات مختلفة على أي حال. أما بخصوصنا نحن «كتّاب» الفيسبوك فالكثير منّا يكتب لأسباب خارجة عن قاموس «التنوير»!؛ قد يتبنّى فكرة معينة لإسقاط معاناته الذهنية، ويسعى حثيثاً لتفريغها، ظنّاً منه أن التفريغ سيحسّن من هذا المعاناة، والحال إن الال يشبه كما لو أنك تشرب من البحر المالح بغية الارتواء. لذا، يمكن القول إن الواقع الافتراضي، وبالخصوص فيسبوك، حينما خرج عن غايته الأساسية التي وُجِدَ من أجلها، وهي التواصل الاجتماعي، زاد من معاناتنا الذهنية. فما دمنا في العالم الأزرق يمكننا أن نتقمّص الدور الذي يناسب مشكلاتنا الذهنية. الكثير من هذه الصرخات التي نطّلع عليها في هذه المواقع، هي صرخات من نوع خاص، لا تفصح عن مكنوناتها بشكل واضح، بل تأخذ أشكالا تعبيرية مختلفة، تغطي على جوهر المشكلة. قد نجد من يصرخ من أجل العدالة، والحرية، وحقوق الإنسان، لكن الحقيقة في مكان آخر؛ إنه يصرخ طلباً للتقدير. ولو تتبعنا الكثير(من الأحوال الفيسبوكية) سنجد أن مشكلتهم الأولى والأخيرة، هي النبذ الاجتماعي!.. إن أقصى أنواع الألم هي حينما تغدو منبوذاً اجتماعياً؛ لا أحد يقترب منك، لا تجد أذناً صاغية لما تتفوه به، يصعب عليك تأسيس علاقة ودية مع الآخرين، لا تتمتع بمؤهلات ذهنية وشكل خارجي «وهذا هو الأهم!» لمنحك بعض الجاذبية، فحينئذ سيتحول الواقع الافتراضي إلى حلبة صراع وهمية تقاتل فيها أشباحك المفضلين. وبالطبع ما من أحد منّا يتحلّى بالموضوعية المطلقة، غير أن الحد الأدنى معلوم ومفهوم، وهو أن نغدو أشخاصاً أسوياء بالحد المعقول. الحقيقة أنه لا التنوير ولا «العلمانية» عموماً لهما علاقة بصراعاتنا في العالم الأزرق، وإنما هي كوابيسنا الذهنية التي تراودنا بين الحين والآخر فتدفعنا إلى طلب النجدة من الآخرين، غير أنها تتخذ شكلاً ثقافياً مدهوناً ببعض «الموضوعية». قل لي ماهي كوابيسك سأكتشف فوراً ما هي الأفكار التي تتقمّصها.