حمزة مصطفى
بالنسبة لي حين أشرع بكتابة مقال أختار العنوان أولا. هناك من يفعل العكس، العنوان يتركه للأخير. أحيانا تزدحم الأفكار والمفاهيم والعناوين على طريقة «تكاثرت الضباء على خراش .. فما يدري خراش مايصيد». وأحيانا تشح الأفكار والمفاهيم والعناوين الى الحد الذي تحسد فيه ملعون الوالدين خراش. القارئ العادي الذي كتبت عنه ناتالي ساروت كتابا يحمل العنوان ذاته «القارئ العادي» لايدرك ربما متاعب الكاتب بعكس القارئ المحترف. هل قلت ناتالي ساروت؟ لست متأكدا. ليس أمامي سوى اللجوء الى العم غوغل لكي «يفزع لنا». ما أن كتبت «القارئ العادي» حتى ظهر اسم المؤلف الذي هو إمرأة أيضا .. فرجينيا وولف. لولا غوغل لأصبحت أضحوكة للقراء العارفين القارئين الدارسين الفاهمين المفتحة أعينهم بكل أنواع اللبن من لبن أربيل الى ذاك الذي أضعناه في الصيف الى كالة الإيراني وعيران التركي.
مشكلة أن يقرأ لك قارئ محترف. تخطئ بالهمزة تبتلي على عمرك، تكتب {أرجوا} بدل أرجو كأنك أخرجت سيبويه من قبره، وإذا كان لديه تمثال كأنك ساهمت في محاولات اقتلاعه. القارئ المحترف العارف الدارس الفاهم «كاعد لك ركبة ونص» يدور عليك «الزلة» كما لو كان أبو الأسود الدؤلي ابن خالته والخليل ابن أحمد الفراهيدي نسيبه ونفطويه ابن عم الخياط الذي خيط بدلة عرسه . القراء العاديون «وردة مال الله». تكتب عن الكهرباء المقطوعة يعطيك عشرة من عشرة ومرات معها درع خشبي. تكتب عن طريق الخالص ـ العظيم يقول لك «عظمة على عظمة»، تكتب عن الانتخابات المبكرة يقول لك «لاعاب حلكك». تكتب عن إيفانكا ترمب يقول لك «أنت وين أكو
منك».
أعود الى العنوان الذي لم أعثر عليه بعد والى ناتالي ساروت التي وضعتها مكان فرجينيا وولف. طعلت بنت ساروت «بلوة»، هي أحد مؤسسي الرواية الفرنسية بعد الحرب العالمية الثانية. قبلها كان لها كتابها «انفعالات» الذي بتنا به أنا وأبناء جيلي أيام المد القرائي لنا في ثمانينيات القرن
الماضي.
العنوان فضلا عن كونه فنا، فهو لعبة جميلة سخر لها أبرز الكتاب مواهبهم إرضاء للقارئ عاديا ومحترفا. دعك من عناوين بايخة مثل «الكتاب الأحمر» لماو ومن بعده «الأخضر» للقذافي. بل حتى كتاب مثل «فلسفة الثورة» هل يعقل أن يكون كاتبه ضابط برتبة «بكباشي» اسمه جمال عبد الناصر صار فيلسوفا لمجرد صعد دبابة وتوجه الى قصر الملك فاروق. أنور السادات الذي كان عشية الثورة مع زوجته، اللغويون يقولون زوجه جيهان السادات «هي هم زوجه ماكو فرق» في دار السينما يشاهد فيلما الف كتبا بعناوين جذابة. الأول «ياولدي هذا عمك جمال» والثاني «البحث عن الذات». بالنسبة لي ما زلت أبحث عن عنوان. عنوان يا محسنين. عناوين صغيرة تجنبك قراءة مقالات كبيرة تصدع رأسك ورأس .. إيمانويل ماكرون المصفوع باسم الديمقراطية.