سعد العبيدي
ما أن تهدأ أجواء العراق وتتجه سفينته المبحرة وسط أمواج مائجة الى الرسو على شواطئ السلام، أملاً في أن ينعم سكانها في العيش الآمن، تخرج من بين ركام الأفكار المثيرة للجدل أفكار تعيد الخلاف على أمور لا يقتضي المنطق إثارتها في الوقت الحاضر أو على الأقل، لا تتحمل الظروف الأمنية والاجتماعية والسياسية إثارتها بطريقة التهديد والسعي للفرض
بالقوة.
فتمثال أبو جعفر المنصور على سبيل المثال وما أثير حوله وبغض النظر عما كتب عن الرجل، والجدال الحاصل عليه فهو تمثال يرمز الى حقبة زمنية انتهت، وهو من زوايا أخرى فن، والدعوة التي جاءت لإزالته والتهديد بإزالة تماثيل أخرى لرموز أخرى دعوة لا تخلو من الغلواء والتطرف المثير لمشاعر
العدوان.
إن التطرف في الأفكار والآراء ينتج في المقابل أفكاراً متطرفة بالضد، تضع الطرفان في دائرة صراع يمكن أن تتحول في محيطها الأفكار أو بعض منها الى سلوك عدائي، يجر آخرين الى ذات الدائرة التي تكبر امعاناً بالعداوة والعداوة المقابلة.
هكذا تكون البدايات المأساوية في غالب الأحيان لتغرق المجتمعات في بلوى التصارع ويعم الخراب بالتأسيس على أفكار عن أفراد أو جماعات يرون الواقع بعين
واحدة.
إن المشكلة في هذا الموضوع الحساس ليست بالأفكار، إذ من حق أي عراقي أن يرى أبا جعفر المنصور أو غيره صالحاً أو غير صالح، مناسبا تخليده بتمثال أو وضعه في غياهب النسيان.
المشكلة في النظر الى الأفكار أنها الوحيدة الصحيحة والصالحة، والسعي لتطبيق مخرجاتها بالقوة، والمشكلة الأكبر السعي لإعادة البلاد عشرات، بل آلاف من السنين الى الوراء والعالم يتقدم الى الأمام بسرعات عالية لا يتوقف عند تمثل أو سلوك حصل في الماضي
البعيد.