المحامي مصطفى كاظم الزيدي
لا شكَّ أن الجريمة لها جذور عميقة في تاريخ المجتمع الانساني ووجدت في المجتمعات البدائية منذ القدم، ولا يمكن انكارها رغم ان الانسان يولد على الفطرة السليمة، الا ان البيئة المحيطة به لها مردودات سلبية في تكوين شخصيته واصبحت الجريمة ظاهرة اجتماعية، فدأب المجتمع على مكافحتها منذ ان وجدت وقد شهدت الانسانية على مر العصور ارتكاب أشد الجرائم خطورة على سلامة الفرد مجازر ومذابح ومآسٍ عدة، راح ضحيتها الابرياء من الاطفال والنساء والشيوخ، وعلى الرغم من محاولات الفقهاء والباحثين آنذاك، والدعوة لتشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مرتكبي تلك الجرائم الخطرة بغية ردع هؤلاء المجرمين ومقاضاتهم، حتى تم تأسيس المحكمة الجنائية الدولية بتاريخ عام 2002 وتهدف هذه المحكمة الى معاقبة اشد الجرائم خطورة، التي تهدد الأمن والسلم العالمي المتمثل بالإبادة الجماعية والجرائم ضد الانسانية وجرائم الحرب وجريمة
العدوان.
وان خصائص الدعوى الجنائية امام المحكمة الجنائية الدولية هي الصفة الدولية، وان اختصاص المحكمة مستقبلي، ولذلك لا يسري اختصاصها على الجرائم التي ارتكبت قبل سريان المعاهدة، وعدم قابلية التنازل في الدعوى الجنائية الدولية باسم المجتمع الدولي.
وان النظام الاساسي قد ضيق من الاختصاص النوعي للمحكمة الجنائية الدولية واقتصر على عدد محدد من الدعاوى، ولا بد لإقامة الدعوى امام المحكمة الجنائية الدولية، بأن يكون هناك أساس قانوني يؤسس عليه ويسري على نصوص قانونية واساس لقواعد اجرائية. وان المشرع الجنائي الدولي قد فرض العقوبة المناسبة لمرتكبي الجرائم الدولية، ليعوض الضرر العام باسم المجتمع الدولي، وفي الوقت نفسه يعوض الافراد الذين تعرضوا الى ضرر خاص من جراء الجريمة المرتكبة، وتستند المسؤولية الجنائية في القانون الدولي الى مبدأ المسؤولية الجنائية الفردية، كما هو مقرر في التشريعات الوطنية، وبما ان الفرد اصبح من أشخاص القانون الدولي، بذلك اصبحت مسؤوليته امرا واقعيا في القانون الجنائي الدولي، وتختص المحكمة الجنائية الدولية بمحاكمة الاشخاص الطبيعيين، فقط فلا يسأل عن الجرائم التي تختص بنظرها تلك المحكمة الاشخاص المعنوية والاعتبارية، أي لا تقع المسؤولية الجنائية على عاتق الدول او المنظمات او الهيئات التي تتمتع بالشخصية الاعتبارية. وان وجود المحكمة الجنائية الدولية لا يعني الغاء المحاكم الوطنية، بل يهدف الى تكملة مهام المحاكم الوطنية، لأن المبتغى من وجود المحاكم سواء على الصعيد الوطني او الدولي هو تحقيق العدالة الجنائية.