اليوم الأربعاء سيلتقي الرئيس الأميركي «جو بايدن» بنظيره الروسي «فلاديمير بوتين» كرئيسين لأول مرة في جنيف السويسريَّة. لا يتوقع الخبراء حدوث اختراقات مهمة ولكنهم رغم هذا يأملون أنْ تساعد القمة على وضع حدود لتوتر العلاقات بين أكبر قوتين نوويتين في العالم.
تصاعدت التوترات بين موسكو وواشنطن على مدى السنوات الأخيرة بسبب الهجمات السيبرانيَّة والحرب في اوكرانيا وانبوب الغاز «نورد ستريم 2» واتهام روسيا باستخدامها غاز الأعصاب «نوفيتشوك» والتضليل المعلوماتي والتدخل في الانتخابات. بعد ذلك ازدادت العلاقات الدبلوماسية تدهوراً جراء طرد الدبلوماسيين المتبادل الى أنْ انتهى الأمر باستدعاء سفيري الدولتين في مطلع هذا العام للتشاور.
ينتقد البعض قرار الالتقاء بالرئيس الروسي من دون شروط ويعدونه ضعفاً، ولكنَّ السكرتيرة الإعلاميَّة للبيت الأبيض «جين ساكي» ردت بالقول إنَّ هذه هي الطريقة التي تعمل بها الدبلوماسيَّة وإنَّ من المهم أنْ يلتقي الزعماء حين يكون هناك طيفٌ واسعٌ من الخلافات.
إذا كانت التوترات على كل هذه الدرجة من السوء، ما فائدة اللقاء إذن؟ وما الذي يمكن توقعه من هذه القمة؟
ما هو هدف القمة؟
أهم هدف تضعه إدارة بايدن نصب عينيها في نهج تعاملها مع روسيا هو «العلاقات المستقرة واضحة المعالم»، لكنَّ «ديمتري ترينين» مدير مركز كارنيغي موسكو لا يعتقد بإمكانية ذلك وبأنَّ أقصى ما سيمكن تحقيقه في قمة جنيف هو إيضاح كل طرف لصاحبه مواضع الخطوط الحمر الحقيقيَّة من وجهة نظره.
رغم ارتياب موسكو وواشنطن العميق ببعضهما البعض يقرُّ كلا الطرفين على مضض بالحاجة الى وجود علاقة فاعلة من أجل تفادي الكارثة.
يقول «إريك غرين» أكبر مساعدي بايدن في الشأن الروسي إنَّ روسيا والولايات المتحدة هما أكبر ترسانتين نوويتين في العالم، كما أنَّ روسيا عضو دائم في مجلس الأمن، وهذا يعني أنَّ ما من سبيل لتجاهلها والامتناع عن العمل معها في إطار التصدي لتحديات جوهريَّة معينة يواجهها العالم.
ما الذي ستتضمنه الأجندة؟
يقول غرين إنَّ الموضوعات سوف تغطي كامل الجبهة وهذا يتضمن الحد من التسلح والشأن السيبراني والقيود الدبلوماسيَّة والأميركيين المحتجزين وإيران وكوريا الشمالية وسوريا وأفغانستان والمنطقة القطبية وتغيرات المناخ. كذلك يتوقع أنْ يثير بايدن موضوع اختطاف طائرة خطوط «رايانير» من قبل بيلاروسيا والتأكيد على التزام الولايات المتحدة بوحدة الأراضي الأوكرانيَّة.
القضية التي ستكون لها الأولويَّة القصوى هي إعادة بناء العلاقات الدبلوماسيَّة بين الدولتين. ففي رد على جولة العقوبات الأخيرة عليها بسبب اتهامها بالتدخل الالكتروني حظرت روسيا على مواطنيها العمل في البعثات الدبلوماسية الأميركية، وقد تسبب هذا في خفض دراماتيكي بمستوى خدمات هذه الممثليات للمواطنين الأميركيين وإيقاف منح تأشيرات الدخول للروس.
إلا أنَّ الشأن الذي يقر الطرفان بأنهما لا خيار أمامهما فيه إلا العمل معاً هو الاستقرار الستراتيجي والحد من التسلح، ولكن هذا لا يعني أنَّ الأمر سيكون سهلاً. فالولايات المتحدة تشعر بالقلق من أسلحة روسيا الجديدة عالية التكنولوجيا، مثل الطوربيدات وصواريخ كروز التي تعمل بالطاقة النوويَّة، في حين يشتد قلق روسيا من أسلحة الولايات المتحدة التقليديَّة، مثل الصواريخ الدفاعية والصواريخ عالية الدقة. هذا القلق المتقابل يجعل التعامل بمبدأ خطوة مقابل خطوة مسألة بالغة الصعوبة.
تقول موسكو وواشنطن ايضاً إنهما ستحرصان على مناقشة الميدان السيبراني. فالولايات المتحدة قد اتهمت وكالات المخابرات الروسية بأنها وراء سلسلة الاختراقات الالكترونية التي منيت بها الوكالات الحكومية الأميركيَّة، في حين يشعر الكرملين بالقلق من القدرات السيبرانية الأميركية بالرغم من عدم الإفصاح عن ذلك.
يقول «كيندال تايلر»، الذي عمل لفترة وجيزة بصفة كبير مساعدي بايدن في الشأن الروسي بمجلس الأمن القومي إنَّ النشاط السيبراني يمكن أنْ يكون فعالاً تحت مظلة الاستقرار الستراتيجي حيث بالإمكان تجنب تصاعد احتمالات الفهم الخاطئ بشأن التجسس السيبراني أو الاختراق الالكتروني الى مديات التسلح أو حتى المواجهة النووية.
يقول تايلر: «هذه القضايا والوقائع على المستوى المنخفض قابلة للتصعيد بسرعة والتحول الى استخدام الأسلحة النووية. لذا من الضروري إيجاد بعض قواعد التعامل ودرجة من القدرة على تفهم هذه الميادين المختلفة».
ما الذي ينبغي علينا الانتباه اليه؟
الاحتمال الأرجح هو أنْ يكون اللقاء بين الرئيسين طويلاً مشحوناً بالتوتر، لأنَّ المعروف عن بوتين أنه يأتي مستعداً وبنزعة لمخاطبة نظيره من موقع الأستاذ المعلم، كما يقول «مايكل مكفاول» الذي سبق أنْ عمل سفيراً للولايات المتحدة في روسيا خلال رئاسة أوباما. من المتوقع ايضاً أنْ يثير بوتين أحداث مهاجمة العاصمة الأميركية في 6 كانون الثاني، لأنه ووزير خارجيته «سيرغي لافروف» سبق أنْ وضعا المتمردين في خانة المحتجين أصحاب الشكاوى المشروعة من مظالم
سياسيَّة.
من المهم الآن مراقبة لغة الجسد لدى خروج الزعيمين من اللقاء. يقول الخبراء في الشأن الروسي إنهم ينتظرون ليروا إنْ كان الزعيمان سيعقدان مؤتمراً صحفياً مشتركاً بنهاية القمة، ولو انَّ وكالة «سي أن أن» قد استبعدت في تقرير لها هذا الاحتمال. كذلك علينا أنْ نرى إنْ كانت ستصدر عن الاثنين تصريحات مشتركة بخصوص العلاقات الدبلوماسية والحد من التسلح.
من ناحيتها تأمل أسر الأميركيين المسجونين في روسيا أنْ تكون هناك صفقة لإعادتهم الى الولايات المتحدة.
أين موقع هذا اللقاء في منهج إدارة بايدن تجاه روسيا؟
منذ تولي بايدن المنصب في كانون الثاني الماضي حاولت إدارته أنْ تسير بحذرٍ على خيط دقيق ممدود بين عدم محاولة الانطلاق من نقطة جديدة مع موسكو، وفي الوقت نفسه تجنب التصعيد في أجواء علاقة مشحونة أصلاً.
رغم إيضاح إدارة بايدن بأنَّ المنافسة الصينيَّة في نظرها هي التحدي الستراتيجي الأكبر على المدى البعيد فإنَّ روسيا هي الصداع الحالي الماثل أمام السياسة الخارجية لهذه الإدارة في أيامها الأولى.
باقتصادها الذي لا يداني اقتصاد ولاية نيويورك تصنف روسيا في كثيرٍ من الأحيان بأنها قوة في طور الانحدار مقارنة بالولايات المتحدة أو الصين. لكن مكفاول يقول: «أعتقد أننا نقلل من شأن القوة الروسية والاعتقاد بأنَّ روسيا قوة في طور الانحدار ليس له ما يدعمه».
عن مجلة «فورن بولسي»