أين القطاع الخاص؟

آراء 2021/06/17
...

  عباس الصباغ
 
من معالم خارطة الطريق التي رُسمت للنهوض بالاقتصاد العراقي المثقل بالريعية والعجز المالي، وعلى ضوء المفاجآت غير السارة لأسعار النفط ماعرّض الاقتصاد العراقي الى هزائز ومطبات لم تكن بالحسبان، جاء التحول التدريجي الى اقتصاد السوق حلاّ متأخرا لذلك وعماد هذا الحل تنشيط القطاع الخاص، وبعد ان تسيّد القطاع العام مع مركزية شديدة من قبل الدولة للفعاليات الاقتصادية عموما، وانزواء القطاع الخاص تحت الهامش ورغم توجّه الاقتصاد العراقي نحو الاشتراكية لعقود طويلة من الزمن، واستحواذ القطاع العام على حصة الاسد من الاهتمام، الا ان القطاع الخاص بالرغم من هامشيته لم يُلغَ دورُه تماما وكانت الزراعة والصناعة العراقية بجميع اشكالها، فضلا عن السياحة محل فخر الجميع وتقدّم الايرادات المالية المطلوبة .
بعد التغيير النيساني 2003 نسج الاقتصاد العراقي على ذات المنوال وبذات المركزية الاحتكارية للدولة لأغلب الانشطة الاقتصادية مع ترك القطاع الخاص تحت الهامش، ليرزح تحت العشوائية والانفلات الكيفي دون توجيه برمجي ضمن هوية الاقتصاد العراقي التي بقيت ضبابية وغير واضحة المعالم، فتقهقر هذا القطاع الى الحضيض وانعدمت الثقة تماما به، رغم محاولة الدستور بالمعالجة التي بقيت سطحية وغير فعالة ، فتحول الى شبح بدليل عزوف اغلب العراقيين عن الخوض في تجريب حظوظهم فيه سواء في الممارسة الاقتصادية في فعالياته او في مجال الفوز بفرصة عمل او مشروع، حتى وان كان ناجحا، وتوجّه الاغلبية نحو التعيين في المجال الحكومي، تاركين القطاع الخاص وراءهم غير آبهين به، وهذا خطأ اقتصادي بنيوي فادح حين ترسخ فكرة جهوزية القطاع العام لاستيعاب معطيات الشارع المعيشية،من دون ان يكون للقطاع الخاص اي دور، وهذا يؤشر الى جملة اختلالات بنيوية مركّبة للاقتصاد في المستقبل المنظور او الى حين ينفد النفط وتتغير خارطة الاهتمام العالمي به او يتم التحول الحقيقي الى اقتصاد السوق بعد فوات الاوان. 
وعلى ضوء المعطيات الآنفة ستتلاشى الطبقة الوسطى وتتآكل تدريجيا لأنها عماد اي تحول اقتصادي وبدونها لا يكون هنالك أي تحول وبقاء توصيف هوية الاقتصاد العراقي بالضبابية والهلامية وعدم وجود هوية جندرية مناسبة له.
الحل هو في الانتقال الحتمي لاقتصاد السوق عن طريق تنشيط القطاع الخاص الذي سيؤدي وظيفتين مزدوجتين مهمتين الأولى هي إنجاز المشاريع الحيوية الكبيرة والشروع بتفعيل المشاريع المعطلة والمتلكئة ما يسهم برفد الموازنات العامة بالإيرادات المالية المطلوبة، والأخرى هي التخفيف من حدة البطالة التي باتت تشكّل عبئا ثقيلا على واقع العراق المعاصر.