موسيقى البصرة

فلكلور 2021/06/17
...

باسم عبد الحميد حمودي
 
(المقالة مهداة الى الفنان الكبير سعد اليابس)
البصرة حاضرة الخليج الذي كان يسمى باسمها (خلج البصرة) وذلك لعمقها الحضاري التاريخي على ذلك المجرى المائي الجميل الذي هو ناتج جريان شط العرب إليه وفي محتواه.
ولبصرة الأمس واليوم قدراتها الثقافيَّة والموسيقيَّة؛ ذلك أنَّ أول من ألف في فن (الإيقاع) هو عالم اللغة الكبير الخليل بن أحمد الفراهيدي, سيد العروض والصوت الشعري واللغوي.
وفن الصوت البصري, أو الموسيقى البصريَّة تعتمد على التلاقحات الموسيقيَّة التي تمت بين الموسيقى المحليَّة والمقامات البغداديَّة والموسيقى الأفريقيَّة الوافدة مع القادمين من بلاد (البنت  – افريقيا) أو بلاد الشحر (حضرموت - منطقة عاد التاريخيَّة ولغتها وموسيقاها الشحريَّة) لأسبابٍ متعددة.
ولا يبدو الحديث عن الموسيقى الافريقيَّة الوافدة خالصاً لأفريقتها فقط, بل لاندماجها الصوتي مع موسيقى المنطقة ودخولها عالمها الحضاري الديني.
إنَّ انبثاق موسيقى (النوبان) الأفريقيَّة وسط (مكايد) البصرة جاء نتيجة لدخول العامل الديني وسط التجارب الفنيَّة, فأداء النوبان الموسيقي وسط الصرخة الأولى من آلة الصرناي التي تسمع من أماكن بعيدة تستوجب دخول المحتشدين وسط المكيد ضمن نسق الأداء في حال من الوجد الصوفي الناتج عن حب النبي محمد عليه السلام وآل بيته الأطهار.
يبدأ أداء المكيد الموسيقي باستخدام الصرناي والدفوف, وانقسام الحضور الى فصيلين متقابلين يتحركان بحركات موزونة عكس عقرب الساعة وهم يستمعون الى تلاوات صوتيَّة من الأناشيد والكلمات العباديَّة, في وقتٍ نجد فيه أنَّ السامع البعيد لموسيقى النوبان يتحرك في مكانه في حالة من الوجد الصوفي حتى ينقل من قبل من يساعده أو لوحده الى مكان المكيد ليشارك في الأداء الحركي لواحدة من الجماعتين المتقابلتين اللتين تتحركان من تحركات (ليوة) الى أخرى على وفق ضربات الطبل أو الكاسور.
إنَّ التهيئة لاحتفال المكيد قبل بدء العزف والأداء البشري تتم بتبخير مكان المكيد وقراءة سورة الفاتحة ومنع دخول أرض المكيد بالأحذية إضافة الى طهارة 
الأبدان.
حفلات الشدات البصريَّة تتم بقيادة الكاسور الذي يحرك أداء فرقته مثل الكوند كتر (القائد الاوركسترالي) ويتم أداء الألحان البصريَّة الجميلة التي تختلط فيها المقامات البغداديَّة بالألحان الافريقيَّة والخليجيَّة الأخرى.
و(الشدة) هي الفرقة الغنائيَّة الأدائيَّة التي تصاحب المنشد (المنشدة) الأساسي للبستة مع راقص أو 
اكثر.
ويقوم الكاسور بالعزف على الكاسورة التي هي جسمٌ يشبه الطبلة لكنه أصغر حجماً وتصنع من الفخار أو الخشب, والجلد المستخدم فيها يتكون من جلد الغنم أو الماعز أو جلد السمك الجري.
ومن أنواع الأدوات الموسيقيَّة الشعبيَّة البصريَّة إضافة للكاسورة: النكازي والسنطور والصرناي والطمبورة, ولكل آلة شكلها ودورها الموسيقي.
ومن الشدات القديمة شدة ملا عدنان وشدة طالب سعد وشدة أم علي وسواها.
وقد سميت الكثير من الفرق البصريَّة بالخشابة وهي تسمية خليجيَّة عامَّة وجاءت التسمية من قيام صانعي السفن ونجاريها خلال راحتهم بصناعة آلات موسيقيَّة من أخشاب السفن التي يصنعونها للعزف عليها والغناء ساعات الراحة.
نحن هنا لا نتحدث عن موسيقى الغجر الخاصة التي تأخذ من موسيقى المجتمع العام ولكننا نقول إنَّ الموسيقى البصريَّة الجميلة قد اكتسبت طابعاً خاصاً متفرداً عراقياً، وعلينا الاهتمام به وصيانته. لا يتم ذلك بإقامة الحفلات المحسوبة والمبرمجة فقط، بل بإعداد البحوث والدراسات الخاصة بهذا اللون الفني وتسجيل ما يمكن تسجيله من الفيديوهات الخاصة بألحانها وطرق الأداء الاجتماعي المصاحب للأداء الغنائي.
موسيقى البصرة عالم جميل علينا أن نحتفظ به وبتاريخيته.