ريسان الخزعلي
(1)
تحتوي ميسان، وهي المملكة الضاربة في القِدَم على عددٍ كبيرٍ من التلال موزّعة على امتداد جغرافيتها الطبيعيَّة والبشريَّة. والتلال هذه يطلق عليها أهل ميسان تسميَّة (يِشن) حتى يومنا هذا، وهي التسمية السومريَّة، وغالباً ما تتمركز في مناطق الأهوار وحافاتها.
لم تحظَ هذه التلال بعمليات التنقيب إلّا ما ندر رغم المسح الآثاري الذي تمَّ على البعض منها، وبقيت تُعاني الإهمال لأسبابٍ تتعلق بضعف الوعي السياسي لأهميَّة الامتداد الحضاري وتأصيله.
إنَّ هذه التلال (اليشن) قد شغلت الميسانيين حياتيّاً منذ عقودٍ زمنيَّة بعد أنْ دُهشوا بظواهر غريبة، إذ كانوا يعثرون على شظايا ملوّنة وبقايا جِرار وأوانٍ مختلفة، كما تداخلت الحكايات والأساطير في مروياتهم الشفاهيَّة عن (الجن والطنطل) إلى الحد الذي جعلهم يتهيبون من الوصول إلى البعض منها (إحفيظ مثلاً) حذراً من المخاطر والأذى، ولهم في ذلك مرويات غرائبيَّة.
(2)
كتاب (تلول ميسان الأثريَّة – شواخص حضارتها، دراسة تاريخيَّة جغرافيَّة بشريَّة) تأليف كل من: د. كريم علكَم الكعبي ود. حميد حسون طاهر والسيد عدنان هاشم الهاشمي، يُمثل جهداً استثنائياً في توثيق تلال ميسان الأثريَّة والتعريف بها ومواقعها والتقاط الصوّر الفوتوغرافيَّة لها من زوايا متعددة، ما يجعل هذا الكتاب وثيقةً آثاريَّة يُعتدُّ بها لأنْ تكون دليلاً في التنقيب والكشف عن الأسرار التي تحت التراب، الأسرار التي ستضيف للأجيال معرفةً إضافيَّة عن الحضارة العراقيَّة القديمة ودورها في التأصيل. كما أرى من الضرورة الثقافيَّة أنْ يُضمَّ هذا الكتاب إلى أرشيف وزارة الثقافة والآثار والسياحة وكذلك أرشيف المتحف الوطني العراقي ومتحف ميسان.
(3)
استطاع المؤلفون تحديد (361) موقعاً أثريّاً في ميسان، تحديداً دقيقاً مستندين على جهدهم الشخصي الميداني وكذلك الوثائق والإحصائيات الرسميَّة ومصادر أخرى معتبرة.
توزّعت هذه التلال بين النواحي والأقضية على النحو الآتي:
مركز قضاء العمارة: 11 تلاً، قضاء علي الغربي: 16 تلاً، قضاء المجر الكبير وناحية العدل: 9 تلال، قضاء قلعة صالح: 12 تلاً، قضاء الكحلاء :22 تلاً، قضاء الميمونة: 25 تلاً، ناحيَّة أم عبيدة (منطقة سيد أحمد الرفاعي) وفيها: 75 تلاً، ناحية السلام: 24 تلاً، ناحية المشرح: 38 تلاً، ناحية علي الشرقي: 15 تلاً، ناحية كميت: 29 تلاً، ناحيتا العزير والخير: 51 تلاً، ناحية الطيب: 28 تلاً.
وجميع هذه المواقع لم يتم التنقيب فيها. أما المواقع المنقّب عنها، فهي: تل (أبو شيجة) في منطقة الطيب عام 2007 لما ثبّتناه، تل (الكبان) على طريق البتيرة عام 2010، تل (العكَر) في هور الصحين – قضاء المجر الكبير عام 2011..، ومن خلال هاتين الإحصائيتين يمكن ملاحظة حجم الإهمال لمعالمنا التراثيَّة المتمثلة بالآثار.
(4)
إنَّ كتاب (تلول ميسان الآثاريَّة) يُعدُّ توثيقاً غير مسبوق في هذا الجانب من تراثنا الآثاري في ميسان، إذ لم نجد جهداً موثّقاً بمثل هذه السعة؛ وهنا أُثبّت قول المؤلفين كما جاء في مقدمة الكتاب: إنَّ دراستنا هذه تُعدُّ الأولى في الكشف عن هذه التلول ومواطنها، آملين الانتباه لما ثبّتناه، للالتفات لهذه الثروة المهمة، وتشكيل فُرق تنقيب، تُمارس عملها في هذه التلول خشية تعرضها للكوارث الطبيعيَّة وعمليات الإنسان العبثيَّة وما أكثرها.
وفي المفتتح الأخير، لا بُدَّ من القول: إنَّ الأثر هو صورتنا الأولى التي يجب أنْ نؤطرها كعلامة دالّة على وعينا الحضاري.