قطيعة الخطاب ما بين النهضة والدولة

آراء 2021/06/19
...

  رزاق عداي
يعد القرن التاسع عشر هو المرحلة التاريخية الكونية التي تطورت فيها ظاهرة التشكل الدولتي على مستوى التنظيرات، ثم الشروع في انشاء وتوطيد هذه الكيانات والدول، ولم تكن الجغرافية العربية والاسلامية بعيدة عن هذا الارهاص، اذ بدات ومنذ بداية القرن المذكور واستمرت فعليا منتجة العديد من المنظورات الفكرية على هذا الصعيد
فالناظمة الفكرية في خطاب «النهضة الاسلامية» على وجه التحديد انطلقت مع جمال الدين الافغاني، ومحمد عبدة، وعبد الرحمن الكواكبي،.. الخ، وقد انحصرت فيهم بخطابات ذات قرابة دلالية من قبل، الترقي، والتقدم، اما الموجة الثانية فتتمثل في اشكالية في دعوة هي الاخرى لا يغيب عنها مفهوم الصحوة الاسلامية، فهي مع «حسن البنا» الى عبد السلام ياسين في المغرب، مرورا ب «سيدقطب»، والهضيبي، واذا كان هاجس الموجة الاولى ينحو الى التماس اسباب النهضة من كل ما تستطيع ان تؤسسه من جسور تمد المشروع الاصلاحي النهضوي بامكانيات التحقق، بما في ذلك معطيات وتجارب وخبرة الآخرين من غير المسلمين، فان الموجة الثانية امتنعت عن ذلك تماماَ وانغلقت على مصادرها الداخلية والتراثية، فلا ترى في نهوض المسلمين الا عودة لهم الى لحظة اليقظة التي كانت مرادفة لنهوضهم في الماضي، ولذلك لا تجد حاجة الى منبه خارجي لايقاظ الوعي وانتزاعه من سباته، ولا ضرورة الى التماس اسباب استعادته والتمكن له من غير المسلمين.
اذن الاشكالية تنصب تماما في موضوعة الانفتاح والانغلاق على تجربة الغرب على وجه الخصوص، وترتب على الاشتغال بالمفهومين، وبالاشكاليتين، نتائج مختلفة ومثيرة، اولها ان الخطاب النهضوي للاصلاحية الاسلامية في نهاية القرن التاسع عشر افلح في تحقيق انفتاح ايجابي ومتوازن على معطيات وابتكارات العصر، ولم تكن هناك خشية او حساسية بخصوص الهوية او ما شابه ذلك، لاسيما عندما يتعلق الامر في اتفاق البعض مع متون المنطوقات الفكرية الحديثة، وبعيداَ عن لغة المواجهة والقتال الغريزي عن الذات، وهذا بدوره اسهم في توطين الكثير من الافكار الحديثة في منظوماته وسردياته التقليدية، بتزويدها بالحيوية والديناميكية وبمنحها معطى معرفيا يمَكنها من ان تتواكب مع تحولات الفكر والمعرفة الحديثة،بل حتى ايضاَ يتم لها الاستعداد لتأهيل نفسها لمنافسة جدالية صعبة مع منظومات فكرية جديدة وافدة من خارج الفضاء العربي- الاسلامي.
اما الموجة الثانية والتي انطلقت وعلى وجه التحديد في العقد الثالث من القرن العشرين وحصراَ - منذ ظهور «حسن البنا» ودعواته فقد كانت شديدة الانغلاق امام المنظومات المعرفية الحديثة، رافضة شرعية مبادئها، لذلك فليس هناك من ضرورة تستدعي الحوار معها، وهكذا وخلافا للموجة الاولى، ذهبت الموجة الثانية الى مقارعة الدولة الحديثة «المدنية والديمقراطية» بدعوى انها دولة علمانية وملحدة، ومخالفة للدين، واخيرا أبت الاقرار بحاجة الوعي الاسلامي الى تدوير نفسه بمعرفة برانية، باعتبار ذلك يمثل شكاَ في مطلقية الافكار الاسلامية الموروثة، وتنازلا غير مشروع عن مرجعيتها الواحدة. 
لقد بلغ الامر بالاجيال اللاحقة التي جاءت بعد نشوء حركة الاخوان المسلمين، بزعامة مرشدها «حسن البنا» متمثلة بافكار «سيد قطب» المرتكزة الى افكار الداعية الباكستاني «ابو الاعلى المودودي»، كانت فكرة «الحاكمية» ذروة التعبير عن تلك القطيعة بعد ان اودت بفكرة - الدولة الوطنية - لكنها بدورها ولدت سيرورة سياسية تكفيرية في جسم الحركة الاسلامية، الى جانب ثقافة العنف والنبذ للاّخر، وفتحت المجال السياسي والاجتماعي على الفتنة والحرب الاهلية، «حركات التكفير والهجرة» و«الجماعة الاسلامية»، انتهاء بمفهوم «دولة الخلافة» التي وجدت تجسيدها العملي والتطبيقي بـ«داعش» ، وها نحن في العراق نعيش تداعياها الكارثية منذ عام 2014 ولغاية اليوم.